لطفية الدليمي
1
أتاحت منصات التواصل الألكترونية لملايين البشرعلى كوكبنا الأرضي أن يتواصلوا مع سواهم من النساء والرجال في أوطانهم مثلما أتاحت لهم التواصل مع أناس من ثقافات مختلفة وشعوب لها منجزاتها الفكرية والعلمية واطلعوا على وتائر التقدم المتسارعة في تلك البلدان ، مثلما أتاحت هذه المنصات الرائعة لذوي الاهتمامات العلمية والفلسفية التعرف على أمثالهم من شعوب مختلفة ومنحت الآخرين فرصاً لعقد صداقات مع مواطني بلدان يماثلونهم في العادات والتقاليد أو يشتركون معهم في لغة أو هوايات ومهن واحدة..
2
يقدم البعض نفسه باعتباره أنموذجا معياريا – قياسيا للوعي والثقافة والقدرات الفكرية كما يقدم الآخرون أو الأخريات أنفسهم كأيقونات للجمال والمرح والأناقة والسعادة المثالية ، بينما يحرص البعض على تقديم تجاربه الحياتية والفكرية في خلاصات نافعة تصلح أن تكون دروسا مجانية في مواجهة معضلات العيش والعلاقات الإنسانية والسعي لتطوير الذات ثقافيا واجتماعيا..
يجري الكائن المسحور بمنصات التواصل فلترة تامة لشخصيته فيظهرها في أحسن أحوالها مستبعدا مواطن الضعف والهشاشة والفضول والجشع ويحيطها بهالة من فضائل شتى تحيله الى شخصية ملائكية تناقض حقيقته على الأرض ، بينما يعمد بعض الرجال المهووسين بإقامة علاقات مع النساء إلى تقديم أنفسهم باعتبارهم عزابا مرحين وعشاقا أبديين فيخفون أمر زيجاتهم وعدد أولادهم أوأحفادهم لينالوا حظوة لدى الجميلات المتخفيات وراء صور الفنانات والنساء الشهيرات، مقابل هؤلاء ثمة نساء يعرضن صورا من حياتهن المترفة ورحلاتهن ونتاج مطابخهن هربا من شقاء حياة أسرية باهتة وضياع آمال وإخفاق أهداف.
3
يحرص بعض المثقفين والأدباء على طرح رؤى وأفكارفلسفية تحفز على فتح باب الحوار مع أصدقائهم وتعرض الأفكار والرؤى ومستجدات العلوم وفي مثل هذا المناخ الصحي تغتني النقاشات بخبرات المتحاورين ومواقفهم ومعلوماتهم الرصينة مما يعزز قدرة المتحاورين على قبول الاختلاف وطرح الرؤى المتباينة وإن لم يعدموا متطفلين تمس تعليقاتهم سطوح الأشياء ، قاصدين إثبات حضورهم وإن بمعارضة هشة او بهجوم جاهل.
بينما تجنح بعض الشخصيات المأزومة إلى نوع من التعالي الفظ في تعاملها مع سكان منصات التواصل فتقدم نفسها كمرجعية لمجمل القضايا الإشكالية في الثقافة والسياسة وتطرح مواقف عنيفة بمفردات أشد عنفا وسخرية بكل من لايتوافق مع رؤاها المتعسفة ، وتعتقد تلك الشخصيات المأزومة - التي تحاول تأسيس مكانة مرموقة لها- أن من حقها إصدار الأحكام القاطعة وتقييم الناس وتقسيمهم إلى فئات وطبقات وطوائف متعارضة في عملية مزاجية تتسم بنزعة مرضية مقيتة.
4
تستفحل على منصات التواصل العربية والعراقية على وجه التخصيص ظاهرة توزيع الشهادات التقديرية أوعضوية منظمات وهمية ، كأن يعمد بعض مهووسي الشهرة والمحتالين الى تأسيس منظمات أو اتحادات تقدم شهادات الدكتوراه باسم جامعات افتراضية، ويقوم (المحظوظون) ممن حلت عليهم بركات الشهادات الزائفة بعرض شهاداتهم على صفحات التواصل لكسب أهمية متوهمة في عملية خداع للنفس تبلغ مرتبة الهلوسة والتفاخر بالألقاب الخاوية. تجولت في مواقع أجنبية يتواصل فيها الناس بالحوارات والسخرية والمرح وعرض الرسوم أوالابتكارات وشهدت حوارات عن السياسة والدين والفن والعلاقات والجنس والعمل وعثرت على قلة من العنصريين المحرضين على العنف كما يحصل عندنا ورأيت عروضا لبيع كل شيء وأي شيء ، ولم أعثر أبدا على منظمات تمنح شهادات تقديرية ولم أجد أحدا يعرض شهادات دكتوراه زائفة، ولم أجد مثقفين ديكتاتوريين يطلقون آراء سمجة فيمجدهم قطيع مهرجين يصفقون لمن ينتقص من شخصياتهم وماوجدت بشرا يمجدون طغاة أهانوا انسانيتهم وانتقصوا من كرامتهم وحقوقهم كما يحصل في منصاتنا العربية.