طالب عبد العزيز
مع يقيننا بأن الابداع قليل في معظم مفاصل الفكر الانساني، وأن الحضارة نتاج فردي، وأن الجماعات البشرية تنتج التغييرات، غير محسومة النتائج، وأننا يوما إثر آخر، نزداد يقينا بأن الشعر بخاصة، يعاني من دخولات الطارئين، الذين يجدون في المهرجانات فرصتهم المثالية، إلا أننا نشعر أيضاً بضرورة تأمل مخرجات المؤتمرات والمهرجانات الشعرية، في سبيل الوقوف على امكانية ايجاد البدائل المناسبة، او التي تمتلك الحد الادنى من الايجابية، إذ من غير المعقول، معاينة مقياس مهرجان المربد، وهو يهبط، سنة بعد أخرى، دونما البحث في الاسباب والمعالجات.
لا أريد أن أبخس حق الجهات القائمة على أعمال المهرجان، وهي بالتأكيد جهود خيرة، تصب في صميم عملية الثقافة، في ظروف استثنائية تمر البلاد، بها منذ خمسة عشر عاماً، لكنني، أرى أن الجهود هذه ستأتي أكلها وبنتائج أفضل لو روعيت جملة نقاط، وكنت تحدثت عن بعضها مع أصدقاء أدباء، في أكثر من مناسبة، ولكي يحسن القائمون على الفعالية الثقافية الظن بنا، سنجمل ما نراه مناسباً في ورقتنا الصغيرة هذه. كلامنا موجه الى وزارة الثقافة على وجة التحديد، بوصفها الجهة، صاحبة الشأن، إذ أن المربد بتفاصيله كلها، خاصة الوزارة، لا غير، بحسب أول مهرجان له، والذي أقيم لأول مرة في العام 1971 .
على المهرجان أن يتخلص من صفته الشعبوية، الجماهيرية، التحشيدية التي أصطبغ بها منذ العام 1980 سنة إندلاع الحرب الايرانية –العراقية، والتي استمرت حتى دخول داعش المدن العراقية، فهذا أمر يقع خارج حدود الثقافة والشعر، إذا كنا نتحدث عن الشعر والثقافة بوصفهما نتاجاً حضاريا، انسانياً، وعليه النأي عن نقد السياسة العامة للحكومات، فما يكتب في الصحافة قمين بردم الهوة هذه. الشعر قضية أخرى، أكبر من توجيه اللوم، وكشف فضائح السياسيين، والانتقاص من سلوكهم، الشعر يعنى بقضايا خارج ذلك كله.
الاصرار على أقامة مهرجان المربد في البصرة والتأكيد على بصريته، الى الحد الذي يكرس القضية المناطقية، أمر بحاجة الى إعادة النظر، في مدينة لا تمتلك الحد الأدني من البنى التحية، والنهوض الاقتصادي والسياحي، سيجعل منه عنصر طرد وعزوف عن المشاركة العربية، إذ أن البصرة بواقع حالها الراهن، أدنى بكثير من بغداد، في الخدمات والبنى التحتية وفضاء الحرية أيضاً، وهي مدينة محكومة بثلة من المتخلفين، وتعمل المنظومة الدينية – القبلية –المليشايوية على رسم صورتها بقبح واضح، فضلاً عن كونها (الآن) بلا معالم حضارية، ولكي لا أتهم بـ(الشعوبية) أقول: لا يمكن مقارنتها ببغداد وأربيل.
وإذا أردنا أن نتكلم في التفاصيل، فأننا نضيف قائلين: إن دعوة اكثر من 300 شخصية عراقية وعربية وأجنبية والانشغال بقضايا الاسكان والاطعام والنقل بحاجة الى فريق عمل متخصص، ونحن بصراحة لا نمتلك الفريق هذا، لذا، أقترح الى أن يصار الى تغيير آلية المهرجان الى ما نسمية( أيام المربد الثقافية) بحيث تستمر الفعاليات الى أكثر من 10 أيام، بشرط أن يدعى لها الاسماء المعلومة والكبيرة في الثقافة والشعر، وليتم الاستغناء عن عشرات الاسماء الزائدة، التي لا تشكل أهمية ثقافية، في سعي يراد منه الخروج بنتائج حقيقية للفعالية الكبيرة هذه.
بقي أن نقول: ماذا لو أقمنا بعض فعاليات المهرجان في البحر، على سفينة في بحر ام قصر أو في خليج الفاو، أو في مقبرة الحسن البصري، حيث يرقد السياب ومحمود عبد الوهاب والبريكان ، أو في الرميلة حيث آبار النفط. ألم يكن الشعر ابن التغيير؟ هو منقلب حياتي، كما أراه.