علي حسين
قال المهندس المعماري موفق الطائي إن بغداد جنة ، وقبل أن نفرح ونصفق للوصف ، يخبرنا أنها جنة مع وقف التنفيذ ، لو كنت مثل المهندس الطائي عرفت بغداد طفلا وشابا ، عرفت حدائقها الصغيرة ، والبيوت الهادئة ، وتنعمت بمشهد شارع الرشيد في الستينيات ، ومررت من أمام مقهى البرازيلية ،أو وقفت تتفرج على ما يعرضه حسو إخوان ، لو كنت مثله تعتبر أن بغداد أجمل مدن الارض ، كيف تقرأ كتابه الذي أراده أن يكون صرخة عالية بوجه الخراب الذي يعم " أم العراق " كما وصفها محمد القبانجي .
استفزني كتاب المعماري الطائي ، خصوصاً أن الرجل يتحدث بالوثائق عن المشاريع التي قدمتها خيرة العقول العراقية لتطوير بغداد ، لكنها حوصرت بعقوق سياسييها الذين يكرهون بغداد! .
منذ أن عاد موفق الطائي الى بغداد عام 1947 من زمالة دراسية في بريطانيا ، قرر أن يفعل شيئاً عظيماً لـ بغداد، رافعا شعار فلندعها تزدهر ، كان موفق الطائي وفياً لأساتذته الكبار محمد مكية ورفعت الجادرجي ومعهم الجيل العملاق قحطان المدفعي وإحسان شيرزاد ، ومعاذ الآلوسي وإحسان فتحي ومحب الدين الطائي ونوري محمد رضا وهشام المدفعي ، ونزار علي جودة وقحطان عوني وسعيد علي مظلوم ، وعبد الله احسان كامل ، ومعهم العشرات يملؤون بغداد ومدن العراق، بحضورهم وصخبهم، لم يبق اسم "لامع" إلاّ وأراد أن يضمّ إلى سيرته، منجزاً يقدمه الى بغداد. ، في كتابه يوجه موفق الطائي نداءً صادقاً " حافظوا على بغداد " حيث يطلب منا لاننسى وصية معلمه محمد مكية التي كتبها قبل وفاته بأيام "استمعوا الى بغداد .. أصغوا الى صوتها كثيرا.. ستكتشفونه في حركة الشجر والنخيل.. في دفق ماء النهر.. في الضحكات الصافية.. تأملوا لونها.. تجدونه في الطابوق.. في الخشب.. في زرقة الماء.. في سمرة الأهل".
اليوم ونحن نقرأ صرخة موفق الطائي في كتابه " بغداد جنة مع وقف التنفيذ" ننظر الى بغداد وهي تنزلق، نحو عصور الظلام والعتمة!، المسؤول فيها لا يسمع سوى صوته .
ذات يوم كانت بغداد منارة، تتلاقى فيها الحضارات وتتنافس عليها الأحلام والآمال.. ذلك عصر كان منظروه يريدون لبغداد أن تكون مدينة متعايشة، متسامحة، والأهم مدينة بعبق وألوان لوحات فائق حسن وعطا صبري وفرج عبو، مدينة بألوان من قوس قزح، وعمارة مكية والجادرجي ومظلوم والمدفعي ولم يكن يدور بخلد هؤلاء أن تتحول المدينة الى خرائب ، يريد القائمون عليها أن يجعلوا منها داراً للآخرة بعد أن كانت حاضرة للدنيا.