اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: أرصفة للحُبّ ومصاطب للنجوى

قناطر: أرصفة للحُبّ ومصاطب للنجوى

نشر في: 12 مارس, 2019: 12:00 ص

 طالب عبد العزيز

منذ الانفلات الأول لأمن المدن العراقية، والمواطن يدفع ثمن ذلك، من ماله وأعصابه .أفكر بآلاف السيارات التي تنقل الطلبة من البيت الى المدرسة، وبالعكس، وهي تزدحم وتعرقل حركة المرور في الشوارع يومياً، القضية التي ابتدأت بخطف أولاد الميسورين ومفاداتهم بالمال، ولم تنته بقضيا التحرش والابتزاز الطائفي في بلاد كل ما فيها يبدأ مألوفاً ويتضخم في ما بعد وينتهي بفاجعة.
كثيرون هم الذين لا ينظرون الى قضية مثل هذه بعين عابرة، أتحدث عن عشرات المشاهد التي ترسخ في ذاكرة الطالب، خلال رحلته اليومية، بين المدرسة والبيت، أتحدث عن الرفقة باذخة الجمال، رفقة الحبيبة( الحبيب) التي تجعل من الطريق تلك أجمل الطرق، ومن اللحظات أجملها، أتحدث عن النظرة البريئة والقلب المرتجف والأُذن الحمراء، التي تلتقط الهمس، أتحدث عن الحلم الوردي، الذي سيأخذه( ستأخذه) معه(معها) إلى البيت، عن ساعة الوقوف أمام المرآة، وهي تتحدث بلغة القلب والوجد والانتظار. نحن، نسلب أولادنا أجمل لحظات حياتهم، وسط جهل لا نحسب خساراته.
ضجيج الباص وصراع الطلاب على المقاعد(كلهم يريدون الجلوس قرب النافذة) أفقدهم جمال المشي، والتعرف على الطرقات، وتأمل المنازل. لقد ذهبت الى الأبد رائحة الطعام، المنبعثة من البيوت، أتحدث عن الطريق التي كنت أقطعها من المدرسة التي بمحلة نظران بالبصرة القديمة الى بيتنا في السراجي، بأبي الخصيب، أستنشق الآن روائح الرز وشواء السمك وإدام الشبزي، تلك التي كانت تنبعث من بيوت ضواحي محلة الباشا وجسر غربان والموفقية وجبل خمّاس وباب الزبير والقطانة والسيمر والخليلية والمشراق، ياه، هل بين أعضاء الحكومة من يعي معنى ذلك؟ لا أظنهم ، فهؤلاء أبعد من أن تحركهم روائح مثل هذه.
منذ أن فقدنا الشعور بمثل هذه التفاصيل ونحن نعاني من فقد هائل للمعاني الجميلة، التي تقوم على أساسها الحياة، هناك جيل نشأ بلا ذاكرة. الأحزاب الإسلامية الحاكمة قصيرة النظر في مفاصل هي غاية في الأهمية. ليست الحديقة العامة عنصراً عابراً في صيرورة وتكوين الطفل، كذلك يكون النهر والبحر والمنزل الجميل والطائر على الغصن، واللوحة الجميلة في الجدار والقطعة الموسيقية وباليت الرسم وصورة الكمان ايضاً، وعشرات الاشياء الاخرى، هذه العوالم قوام الوجود الإنساني، تأسيس فطري في النفس البشرية، أما سلسلة ضرب الظهر وسكين فجِّ الرأس وصورة الولي بالعمة، فهي ما يحطم روحه، ويجهز على قافلة الحلم في رأسه.
تعالوا نأخذ أطفالنا الى الحدائق العامة، تعالوا نمشي معهم الى المدرسة، ولنجعل من الارصفة مسارات خالصة لهم، ولنترك لهم حرية اختيار الفراشات التي يختارون، أو قبل ذلك لنغرس الفسح المتروكة بين الشارع والرصيف بما يحبون من الورد والاشجار، ولنعلمهم معنى الرفقة مع من يودون، نعلمهم معنى وجودهم قرب بعضهم، خارج حدود الطوائف والمذاهب والانتماءات والتجاوز على الحريات، تعالوا نقول لهم إن البنت هذه مثلك، تملك المشاعر التي تمتلكها ذاتها، ما هي بثقب بين الفخذين، وما أنت بقصبة، أنتما الوجود والكون والعالم الذي ننتظر، أنتما جسدان، قلبان، عقلان، لا انتصار لأحد إلا بوجود الثاني. لم تنشئ البلدية الارصفة للتجار، هي لخطى حبيبين، عائدين من الدرسة، كذلك، تكون مصاطب الحدائق، هي لنجوى قلبين، أحبّا بعضهما وتنادى عاشقين أبديين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram