المهمة الأساسية للرقابة عموماً هي منع المحظور قبل وقوعه بحيث تكون المرحلة الأخيرة بالإحالة للقضاء هي الحد الفاصل بين الوقاية والعلاج، ضمن المعلوم أن أجهزة الرقابة الرسمية المعلنة هي (الرقابة البرلمانية والنزاهة والمفتش العام وهيئة الرقابة المالية والرقابة الداخلية) كل هذه الأجهزة المفروض تمنع أو تحذر أو تؤشر على الخطأ صغيراً أو كبيراً، مباشراً وغير مباشر، إذن هي أجهزة إنذار مبكر أولاً وعندما لا ينفع الإنذار يبدأ الإجراء بالذهاب للمحكمة.
فعندما نسمع أن رؤوسا كبيرة ستسقط في مسألة البنك المركزي يعني أن هذه الرؤوس من داخل أو خارج البنك قد اجتازت جميع نقاط التفتيش المذكورة مما أدى إلى هذا الانفجار الذي يطيح بها لاحقاً فهل الخلل في نقاط التفتيش أم الرؤوس الكبيرة غير خاضعة للتفتيش؟
وهذه هي إشكالية بحد ذاتها وخارج الموضوع. لاسيما إذا علمنا أن عمل البنك في عملية التحويل الخارجي وبيع العملة كان عملاً استثنائياً بحيث يحتاج إلى رقابة وفلاتر خاصة. وهذا ما تأكد من خلال استشارة صندوق النقد الدولي. ليكشف لنا الملابسات.
لا ندعي أننا تستطيع قول الفصل ولكن على الأقل نستطيع أن نقول إن الرقابة الداخلية حتى الرقابة البرلمانية كانت تعلم بالمخالفة وهي جنين كما أن المفتش العام والنزاهة وهيئة الرقابة المالية هم أيضاً على علم تام بذلك. فهم إما صوتهم غير مسموح أو أنهم متواطئون وهذا مستبعد إلا إذا كانت الاستثناءات هي القاعدة في ضوء قرارات عابرة لمفارز التفتيش المذكورة. وهذا أيضاً غير وارد، إذن أين كانت قيادة البنك التي أطيح بها وهي ترفع علم استقلال البنك لكي يعيش هذا العلم في علو وبه يعتصم الكادر المتقدم.
ولكن حصل ما حصل والخسارة ليست في المال فحسب إن كان كذلك بل في الرجال وهذا ما يعمق المسألة ولتأخذ أبعاداً أخرى كتراجع في سلطة القانون وخلل في المنظومة الديمقراطية الوليدة من خلال علاقة البنك بالبرلمان حيث تمرغت مؤسسة سيادية بوحل يصعب جلاؤه قريباً وتداعياته مالياً ونقدياً ودولياً وإقليمياً. كما دفعنا ثمن ذلك مثلاً في التموينية أو هياكل المدارس أو صفقات الأسلحة والكهرباء ناهيك عن مخالفات وخروقات في مشاريع لا داعي لذكرها.
من الناحية الديمقراطية هناك كثير من القادة والمسؤولين مثلوا أمام القضاء وقد كان هذا المثول متكاملاً وبانسيابية عالية واستثناء وليس قاعدة ويعكس احتراماً للقضاء والقانون. وليس مجرد عملية تنكيل لأنها مكتملة الشروط من البداية ومرت بمراحل وفلاتر وشفافية. ومن خلال أجهزة عريقة مهنية احترافية وليست أدوات سياسية وهنا الفارق.
فلتتم عملية مراجعة تبدأ أولاً من الرقابة الداخلية للمؤسسة بأفضل علاقة مع هيئة الرقابة المالية والمفروض أنها مرتبطة بالرقابة البرلمانية إذ لا بد من فك الارتباط بين التنفيذ والرقابة وهذا لا يعني العداء وتصيد الأخطاء بقدر ما يعني التكامل لهدف واضح محدد. وليس وسيلة وحيدة إلا إذا أعلنت الأجهزة الرقابية إفلاسها وقائياً أو علاجياً رغم أنها شريك في الوصول للهدف أي بعد اكتمال تحقيق إداري أصولي وبدون شوشرة.
أين الرقابة؟
[post-views]
نشر في: 10 نوفمبر, 2012: 08:00 م