إياد الصالحي
دأب رؤساء الحكومة منذ عهد التغيير عام 2003 على تجنّب دسّ أنوفهم في قضايا تعنى بها الوزارات بحسب التخصّص، حرصاً منهم على عدم التدخّل في ما لا يعنيهم، وغالباً ما يتولّد هذا الحرص من خيال مصالحهم بغية عدم تعرّضهم للمسّ الشخصي متناسين مسؤوليتهم التي جاءت بهم ليكونوا حرّاساً على مصلحة الشعب أولاً لاسيما إذا كانت القضية تهدّد حياتهم وتنذر بمأساة تخلّف اختلاجات ونوائح لا نهايات لها حتى لو تمّت الإطاحة بالحكومة نفسها!
لا أعرف هل نام مستشار رئيس الحكومة للشأن الرياضي إياد بنيان جيداً ليلة أمس الأول بعدما تلقّى اخبار انهيار خطة حفظ أمن ملعب الشعب الدولي قبيل ساعتين من بدء مباراة كلاسيكو العراق بين الزوراء والقوة الجوية وفقدان السيطرة على جموع الجماهير المتعطشة لمتابعة لقاء القمة ولم يكن لها أي ذنب كي يخشى المكلّفون بقيادة المباراة الى برّ الأمان من زحفهم للمدرجات وخلف المرميين بأعداد هائلة دبّت الرعب ونسجت تصوّرات عدة لدى بعض الزملاء وحتى المحللين الفنيين بإمكانية حصول كارثة إذا ما تعصّب أنفار من مشجعي الفريقين وارتكبوا أفعالاً تهدّد سلامة أمن الجميع.
لماذا بنيان دون غيره؟ كونه اختير ليكون مستشاراً رياضياً يُذلل جميع المعوّقات التي تشهدها الرياضة التي كانت الحكومة بعيدة عنها ولم تصل الحقائق إليها بالشكل المهني الموصوف، وهذه المرة تزامنت مشكلة الكلاسيكو بعد أيام من تولّيه المهمة في بيت الحكومة، وكنا نأمل منه خلال الساعات الماضية أن يتدارك الأمر بإجراء فوري يسحب التحقيق من يد وزير الشباب والرياضة أحمد رياض وممثل وزارة الداخلية ورئيس اتحاد كرة القدم عبدالخالق مسعود كون الأطراف الثلاثة مسؤولة عما جرى في يوم "الكلاسيكو" ولا يمكن أن يكون الشريك في التقصير محققاً مهما كانت درجته أو موقعه طالما أن مؤسسته جزء من المشكلة وليست رقيبة عليها!
نعم إنه كلاسيكو الدولة بكل حيثياته التي هدّدتْ حياة 100 الف مشجع طفل وشاب ورجل وشيخ التحفوا بحب العراق وسعوا للمساهمة في رفع الحظر الدولي عن بغداد من خلال حضورٍ مشرّفٍ وتشجيع حضاري لافتين وسبق أن وجّهوا أنظار المراقبين في الاتحادين الدولي والآسيوي نحو ملعب كربلاء الدولي الذي ضيّف لقاء دوري أبطال آسيا بين الزوراء والوصل الإماراتي الإثنين الماضي وأذهلوهم بحسن انضباطهم وتشجيعهم المثالي، وينبغي على الدولة ممثلة بمستشارها الرياضي أن تأخذ زمام المبادرة للتحقيق بعدالة وتحديد الاسباب والموجبات التي تركت انطباعاً عربياً ودولياً بوجود إهمال في الإجراءات التنظيمية والفنية والأمنية لأهمّ حدث جماهيري تشهده العاصمة.
ما دعانا لنقل ملف التحقيق الى طاولة المستشار الرياضي للحكومة هو الموقف الرسمي المعلن عبر بيان وزارة الشباب والرياضة والتصريح التلفازي لرئيس اتحاد الكرة، وكلاهما تخلّيا عن مسؤوليتهما بعذرين قبيحين يدلّلان على تحصين مؤسستيهما من نار الاتهام وما يعقبه من محاسبة قضائية، فالوزارة فطنت إلى أن ( العقد الرسمي بين الوزارة ومتعهد بيع تذاكر المباريات أبرِم في عهد وزارة عبدالحسين عبطان ويستمر حتى انتهاء منافسات الموسم الحالي) واستدركت (سننظر في فقرات العقد إذا ما تضمّنت إحداها حق فسخه عند حدوث خرق كالذي جرى فإننا لن نتوانى عن ذلك حفاظاً على جماهيرنا وارواحها الغالية علينا)! أي حرص وزاري استفاق بعدما تُرك المتعهّد يتصرّف على وفق ما يراه مناسباً بلا رقابة وتدخل منها بآلية تحفظ انسيابية دخول الجماهير دون أن تؤثر على نص العقد؟!
أمّا رئيس اتحاد الكرة عبدالخالق مسعود فيكفي تصريحه لقناة الرياضية العراقية إدانته وسحب الثقة منه ومن مجلس إدارته كونه تهرّب من واجبه ورمى الكرة في ملعب قوة أمن الملعب وكأنه أدمنَ النفاذ بجلده في كل أزمة وأن المباراة لا تعنيه وهو بريء من أي خرق فيها ودوره يقتصر على الاجتماع بأعضاء الاتحاد ليقرّروا إيقافها عندما تتعرّض الى الخطر! مسعود اعترف خلال التصريح نفسه أن دخول الجمهور بأعداد فوق الطاقة الاستيعابية تكرّر أكثر من مرة وأن مشرف مباراة الزوراء والوصل كتب ضدنا 25 نقطة سلبية! إذن ما جدوى بقاء الاتحاد إن لم يبادر لتشكيل لجان مساندة تؤمّن أنشطته من الخروق في مباراة استثنائية من هذا النوع ولا يجرؤ للهروب من المساءلة وكأن المباراة تابعة للداخلية أو لاتحاد يعمل في المريخ؟!
نترقب التحقيق في بيت الحكومة .. هل ما جرى دُبّر بفعل فاعل لغايات أخطر من دهاء (الطوبة) وكيف يتم قبول تمرير الأعذار بعد فوات أوان الحدث ودون مبالاة لأرواح البشر قبله!