علي حسين
الإنسان أولاً..قالها عظيم الفرنسيين فولتير ، وأعتذر للقرّاء الأعزاء ، كثرة الاقتباسات من الكتب ، وكان غريمه جان جاك روسو يجد أن الدولة العادلة هي التي تحترم قيمة الحياة ، عاش فولتير مطارداً ، ومثله روسو ، لكن بعد سنوات حمل رجال الثورة توابيت روسو وفولتير على الأعناق ليدفنوا في مقبرة العظماء .
منذ أيام تدور معركة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حول النشيد الوطني العراقي ، وقد دلني الفيسبوك مشكوراً أمس على أشخاص يعتقدون أنّ كل من يختلف معهم فهو بعثي ويجب طرده من جنة العراق الجديد !! ، ولهذا كان لابد لفنان شاب يدّعي " الإصلاح " أن يشتم على صفحته في الفيسبوك الجواهري ويتهمه بأنه باع نفسه للبعث ، أما كيف ؟ فهذه وحدها تحتاج الى أن يُقدّم هذا الفنان " اللطيف " إلى القضاء بتهمة الإساءة لرمز وطني بحجم وقيمة الجواهري الكبير.
هناك أشخاص يحفرون أسماءهم في ذاكرة شعوبهم ، وقد نختلف أنا وأنت في تقييمنا لشخص ما ، لأن الأمر يتعلق مرة بالعواطف ، ومرات أخرى بالمصلحة ، ومرّات كثيرة بالتعصب ، لكن لايمكن أن نختلف على أنّ الجواهري ولد ومات وهو يمثّل جوهر الوطنية العراقية ، حيث تجمعت في شعره وحياته ومواقفه كلّ أفراح العراقيين وأحزانهم ونضالهم من أجل الحرية والخير والعدالة الاجتماعية .. ولا أعتقد أن الجواهري بحاجة الى شهادة تثبت وطنيته ، ولهذا سأعود للحديث عن معركة الفيسبوك حول النشيد الوطني ، واستغربت أن يشتعل وطيس المعركة في بلاد لاتزال حتى هذه اللحظة لاتحتفل بعيد وطني ، وأنا وأنتم نعرف أنّ في كل دول العالم هناك يوم وطني يمثل الحدث الأبرز في تاريخ هذه الدولة، إلا في هذه البلاد التي يستكثر عليها البعض أن يكون لها يوم وطني، وأشك أنّ كثيراً من الذين رفعوا الرماح والسيوف في معركة النشيد الوطني يعرفون ، ماذا يعني للعراقيين يوم الثالث من تشرين الأول عام 1931 .
منذ عقود وحكوماتنا " الرشيدة " سخّفت موضوعة الوطنية ، فلم يعد لها قيمة، ووجدنا من يسخرمن العلَم والنشيد الوطني ، وعشنا الموقف الدرامي الذي قدّمه لنا المواطن البرازيلي ماجد النصراوي أيام ماكان محافظاً البصرة ، عندما رفض سماع النشيد الوطني العراقي بسبب استخدام الآلات الموسيقية، اعتقاداً منه أنها تسبب الضرر لعقيدته الدينية !
أرادت أحزاب ما بعد 2003 أن يمشي العراقيون خلف شعارات التناحر الطائفي والتشتت ، وأصرت على أن ترفع جميع أعلام دول الجوار نكاية بالعلم الوطني ، فلماذا نتعجب عندما يطالب فنان " لطيف " وخفيف غلق اتحاد الجواهري بالقفل والمفتاح ؟!