طالب عبد العزيز
لوسئل أيّنا السؤال التقليدي: أيهما أفضل في بناء الدولة رجل الدين وشيخ العشيرة أم ضابط الشرطة ورجل القانون ؟ لقلنا بلا تردد: الضابط ورجل القانون. منذ سنوات، وأنا أبحث في وظيفة رجل الدين وشيخ العشيرة، في بلاد يحكمها القانون وتسودها العدالة فلا أجد توصيفاً وظيفياً. ونبحث في أسباب أزمات البلاد وعناوين التخلف فلا نجد في الضابط ورجل القانون والمهندس والطبيب ومعلم الرسم والموسيقى إلا أسباباً في النهوض والرقي والتقدم.
وأنا، هنا لا أنتقص من دور رجل الدين، في بعض مراحل التحول الطبيعي للشعوب، من الكهنوت الى العلم، في أقل تقدير، وقد نجد العذر في تلبية بعض الحاجات الإنسانية، التي منها تطمين النفس بالجنة وردعها بالنار والشعور بأهمية قيم السماء في تقليص الفجوة بين المعلوم والمجهول الكوني، لكنني، لا أجد في شيخ العشيرة إلا المعرقل والمثبط لكل عملية في استقرار المجتمعات، وتعطيل قوانين الدولة واستباب الأمن، وكان العراق قد شهد خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي تراجعاً في أهمية العشيرة وشيوخها، حين قطعت المدنية شوطا كبيراً في الحواضر العراقية، مثل بغداد والموصل والبصرة وكركوك وغيرها.
مخجل أن يظهر قائد عمليات البصرة عبر إحدى الشاشات، ليعلمنا بأنّ الأسلحة التي تمتلكها العشائر في البصرة، تفوق في عديدها ما تمتلكه فرقة عسكرية في الجيش !! ومقرف أن نجده يبحث في الحلول، فلا يجد مخرجاً، أي قيمة اعتبارية لعدد الأنجم والسيوف والنسور التي يحملها على كتفيه، هذا الضابط العاجز عن ردع خصومة مسلحة، بين عشيرتين، كل أمجاد أبنائها أنهم تحدوا الدولة ! من يريد أن يحكم قبضته على أمن بلاده، ويجعل من الاستثمار والنهوض الاقتصادي واقع حال، عليه أن يبدأ بنزع أسلحة هؤلاء الخارجين على القانون، الذين يجدون في التجمعات والأحزاب الدينية المسلحة ملاذات آمنة لهم.
صراع النفوذ بين الاحزاب الدينية نفسها واستقواء رجال العشائر بالأحزاب هذه، وارتباطهم مجتمعين بمصالح خارجية، لا غير، هو السبب الاول والاخير، الذي جعل من قضية الاستثمار مستحيلة في البصرة، على سبيل المثال، وهو أمر معلوم ومقروء وواقر في يقين المؤسسات الدينية والسياسية والاقتصادية والامنية ببغداد، لكن، التخلص منه بات مستحيلاً، بعد أن تغول نفوذ هؤلاء، وأصبحوا يهيمنون على كل شيء، ومن ثم قادرين على قتال من يقف بوجههم، والإفلات من قبضة القضاء، مهما كلفهم الامر.
واهم، كلّ من يتحدث عن تغيير، في بنية الدولة العراقية. الدولة، التي تقف عاجزة عن لجم جماح عشيرتين في البصرة. ففي تصريح ذليل يقول ناطق إعلامي: إنّ الشرطة وقيادة العمليات صادرت خمس بنادق وأعيرة نارية وداهمت منازل وأخذت مطلوبين. يا للسخف !! ألم يقل قائد العمليات بأن العشائر تتفوق بأسلحتها على ما تملكه فرقة في الجيش؟ أيكفي سحب خمس بنادق لتنتصر شرطتك، يا ترى ؟