علي حسين
يجلس المواطن العراقي كل يوم أمام شاشة التلفزيون في انتظار أن يسمع خبر الانتهاء من أزمة الكهرباء ، أو بناء مجمعات سكنية للفقراء ، أو في أضعف الإيمان بناء مستشفيات حديثة ، والقضاء على ظاهرة المدارس الطينية . ومنذ أن قال لنا السيد نوري المالكي :" ستعيشون أزهى عصور الإعمار والرفاهية ، أدركنا أنه سوف يلازم الشاشة يتحدث عن الأخلاق والفضيلة ، وأن الشعب لايحتاج إلى المصانع والمعامل والمزارع ، وإنما إلى خطيب من عينة عامر الكفايشي .
تعلمنا، من الخراب الذي يحاصرنا منذ سنوات ، أنّ المسؤول والسياسي العراقي ، ما إن يجلس أمام المايكرفون حتى يتراءى له ، انه مصلح اجتماعي ، ولذلك ضحكت وأنا أسمع جمال الكربولي يقول :" الاقتصاد العراقي بحاجة الى استنساخ التجربة السعودية باعتقال الفاسدين ، حتى يسترد أمواله من جيوب المفسدين الذين خربوه " ، أسوأ أنواع الخطباء ، من يتصور أن الناس لاتملك ذاكرة ، ولهذا تجده فاقد الاحساس والخجل ، ويفعل ما يشاء ، دون أن يقول له أحد يارجل كان بإمكانك أن تعيد أموال الهلال الأحمر أولاً ، قبل أن تتحدث عن جيوب المفسدين .
تأمل مثلي نشرة الأخبار، مسؤولون وسياسيون يكذبون على أنفسهم قبل الناس ، يسرحون ويمرحون فوق الخراب ، واليوم يعيش العراقي في ظل مرحلة أو حقبة تحول فيها الفاسد والمرتشي الى خطيب مفوّه عن الفضيلة والأمانة ، مثلما لايتذكر صحفي مثلي أنّ بهلواناً مثل أردوغان لايزال يصرّ على الضحك على عقول المشاهدين ، ففي الوقت الذي تفتح فيه مستشفيات تركيا أبوابها لمعالجة قادة داعش ، والاعتناء بـ أبو محمد الجولاني الذي ذبح مئات الأبرياء ، يقف أردوغان ليذرف الدمع على ضحايا نيوزلندا . ولأننا شعب يرى كل يوم العجائب والغرائب ، فإننا شعرنا بالاستغراب ونحن نرى رئيسة وزراء نيوزلندا ترتدي السواد وتلف الحجاب على رأسها وتذهب لتعزية الضحايا وومعها زعماء كل الأحزاب النيوزيلندية، ليقفوا إلى جانب الزعماء المسلمين فيما رئيسة الوزراء تحتضن أهالي الضحايا، لتظهر لهم الاحترام والتعاطف الحقيقي، وتقدم نموذجاً أبهر العالم .
لكنني، أنا المواطن العراقي الذي يتمتع بخيرات "الشهرستاني" ، أمضي سنوات العمر متسائلاً عن أسباب صمت مسؤولينا وساستنا عن الكوارث التي مررنا بها خلال الستة عشر عاما الماضية ، لماذا ياسادة نحن أبناء البلاد الوحيدة التي تعتقد أنّ موت أبنائها وإفقارهم وتشريدهم مؤامرة أميركية تستهدف نهضة الجارة العزيزة إيران التي يعشقها البعض من كبار مسؤولينا أكثر من العراق ، لكنهم في الفضائيات يتعاركون على النشيد الوطني .