عدوية الهلالي
ثلاث حقب لثلاثة حكام عاشها العراقيون ويعيشونها بانتظار أن تستقر أحوال العراق ..ماهي الحصيلة التي خرج بها العراقيون بعد كل تلك السنوات ؟..أمازالوا يستمتعون بلعبة المقارنة بين الحكام الثلاثة من جهة ، وبين حقبة الحكم الدكتاتوري وحقبة الحكم الديمقراطي من جهة أخرى على أمل أن يتوصلوا إلى حقبة أكثر استقراراً وإيجابية ؟..
لايختلف اثنان على أن حقبة المالكي كانت الأكثر إيلاماً مع كل ماتخللته من أحداث جسام وخسارات كبيرة وملفات فساد خطيرة ، لدرجة أن حقبة العبادي امتازت بمحاولة إصلاح مايمكن إصلاحه ، ومارس فيها العبادي دور الوريث المرهق من ثقل الإرث الذي تركه له المالكي فلم يجد الوقت طوال أربع سنوات لتجسيد شعاراته بشكل عملي لشدة تراكم القضايا العالقة على كاهله ولانشغاله بقضية تخليص العراق من داعش كأولوية مهمة ولتحسب له بعد مغادرته الحكم بأن يترك ذكرى عطرة في أذهان العراقيين بعد أن فقدوا الأمل في الخروج من النفق حالك السواد الذي اجتازوه خلال حقبتين متخمتين من حكم المالكي، لكن ماعلق في أذهان العراقيين في الواقع هو ذلك الهدوء الذي يبلغ حدّ التخاذل أحياناً من قبل العبادي إزاء ملفات عديدة كانت تحتاج الى الجرأة والحسم والضرب بيد من حديد ، وهكذا ، انتقلت أغلب الملفات بكل ثقلها وتعقيدها إلى يدي عبد المهدي وانتقلت معها أنظار العراقيين الى حاكمهم الجديد ليراقبوا ماسيصدر عنه من أقوال وأفعال ، وفيما إذا كانت أفعاله بمستوى أقواله أم أن الأقوال ستبقى محض شعارات سبق أن أتخمت العراقيين بكثرتها وتعدد مطلقيها من دون طائل ..
شهور عديدة مرت منذ أن اعتلى عبد المهدي مقعد رئيس الوزراء ، ومازال منشغلاً بتشكيل الحكومة مايثبت أنّ مهمته ليست يسيرة أبداً ..إنه يختلف عن سابقيه كما تشير الأحداث ، فهو يترفع عن التصريحات النارية والمهاترات وتبادل الاتهامات كما أنه ليس من هواة التمسك بالمناصب ويحاول ملامسة نبض الشارع بالتخلّي عن الاحتماء بالمنطقة الخضراء وزيارة المواطنين في مناطق متعددة وتقبيل يد والد أحد الشهداء ، لكنّ التفاعل العاطفي مع الحاكم ليس كافياً ، فمطالب الشعب لاتلبيها عاطفة الحاكم بل حكمته وقوته بمواجهة الصعاب ، وهل هناك صعاب أكثر من هيمنة أذرع طويلة وفاسدة على مقدرات البلد بلا قصاص رادع وتواصل معاناة المواطنين من البطالة والعوز وضياع الحقوق وضبابية المستقبل ..
لقد تسلّم عبد المهدي بلداً يحبو نحو التطور وأزمات تهفو إلى الانفراج فيما لو توافرت اليد القوية الضاربة التي يتطلع إليها العراقيون والتي تضع في أولوياتها تنظيف البلد من أدران الفساد والبدء بمحاكمة رؤوس الفساد الكبيرة ،لأن القضاء على الرؤوس سيقضي على الأذناب ، ومعاقبة أحد المسيئين للشعب سيمنح المواطنين أملاً جديداً وسيدفعهم للالتفاف حول الحاكم ومساعدته في ترميم البلد وبناء المستقبل ، أما إذا ظلت القضايا الكبيرة عالقة والحديث حول تصفيتها محض شعارات فلن تنفعنا إنسانية عبد المهدي كما لم تنفعنا حكمة العبادي وهدوؤه وكما أورثتنا عنجهية المالكي وتعصبه خوفاً مزمناً من دخول البلد في أزمات جديدة وتراكم ملفات وقضايا أخرى قد تظل عالقة بانتظار حاكم جديد في حقبة مقبلة !!