طالب عبد العزيز
لا أحب الكياسة، ثقافة ما تتأسس خارج معطيات العصر، لكنَّ ذلك لا يعنيني، فانا رجل حالم وشاعر وخصيبي، عندي من اللذائذ ما لا يحصى. المطر والنبيذ والمراة والشعر قوام حياتي كلها، أحَبُّ الاصوات لدي هو صوت انصباب النبيذ الاحمر في الكأس، وأنصع المناديل الورقية لوناً، تلك التي تستخدم في المخادع، مع النساء، وقراءة قصيدة عن المطر، في شرفة يتسلقها اللبلاب باكراً، موضوع أكثر أهمية عندي من قضية فلسطين وحزب البعث وسنن ابن ماجه، اما وقوفي على شط العرب، صحبة نفسي، فلا يعادله أمر من امور الدنيا. الكياسة شيء من القرف، حرمان من اشياء كثيرة. أكره الوقار، فيه الكثير من الزيف والكذب، في مرحلة ما من حياتي، كنت كثير الجلوس في المقهى، القضية التي تغضب زوجتي، لذا، كانت تخفي محفظة نقودي، التي فيها هويتي، كيما تمنعني من الخروج. ذات يوم، خرجت من البيت بلا نقود، لكنني، قلت للراكب، بجانبي، في الباص، أنْ أدفع أجرتي، ففعل.
بودي أن أكتب طويلاً عن حماقاتي، فشلي في الدراسة مثلاً، انتمائي المبكر للحزب الشيوعي، ومطاردة البعثيين لي، أحدهم وضع مسدسه في اذني، وأنزلني من سطح البيت في الساعة الرابعة فجرا،ً دروس الرياضيات والكيمياء والفيزياء التي أكرهها، رامبو الذي خبّلني، وأنا ابن السادسة عشر، لكنْ، أسرتي التي تنظر لي بعين الاعجاب، يسوؤها أن أتحدث عن فشلي. كل أصدقائي الذين ذهبوا الى الجامعة حصلوا على وظائف محترمة، إلا أنا، فقد تنقلت من مهنة حقيرة الى أكثر حقارة، فقد عملت فلاحاً، أغرس الفسائل والخيار والطماطم واللوبياء، وعلمت نجّاراً، أصلح شأن الطوربيدات والسفن البحرية، وعتّالاً، أخيط أكياس الحنطة والشعير في السايلو، وكاتباً، محاسباً في تسويق الفواكهة والخضار، أطفأت الحرائق في معمل الحديد والصلب، الذي انتدبني مديره العام مصححاً لغوياً فيه، ثم وجدتني صياد سمك، أبحر في الشطوط والخلجان العميقة .. ثم محرراً في جريدة، وكاتب أعمدة .. لكنني، لم أكُ ذلك كله، كنت لا أعرف ماذا أريد..
أسعد لحظات حياتي هي، التي نُشرتْ فيها قصيدتي الاولى، في مجلة وعي العمال، عام 1969 وأسعد منها هي الليلة، التي أمضيتها مع إخلاص، البنت، التي أخرجتها من بيت أمها في شارع بشار، والتي قبلت بي خليلاً لليلتها في بستان ابي، وأنا ابن الثامنة عشر، بل وأسعد منها، طرأً، اللحظة التي عرفت فيها الاستمناء، ياه، كم جميل كان ذلك، شيء لا يصدق. كانت رواية(السأم) لـ (البرتو مورافيا) من وقف على اكتشافي، بأن ما بين فخذيّ قادرٌ على صناعة سعادة لا تصدق. أفراح لا يمكن تسميتها، تلك التي تكتشف فيها نبوغ وعبقرية جسدك واعضائك. الفحولة شيء واكتشاف الانوثة شيء آخر. كان البستان المهجور، الذي يقع أسفل بيتنا، في القرية الصغيرة، أول مكان اكتشفت فيه معنى ان تكون مع أمراة، الفرق الجوهري بين جسدك وجسد الانثى، وأنا غرٌ صغير، لا أفقه من فعل الفحش إلا ما ينتصب من عصاي الصغيرة، إلا ما أميط اللثام فيه عن ردف صغير أبيض، لإمرأة بعمر (سلمى طوت ردائي). ياه، كم أحنُّ لأقول لها ذلك، وقد طُويتْ بيننا الايام.
ما كنت لأجرؤ أن أكتب مثل هذه، لولا الكأس الثالثة، شكراً للنبيذ التوسكاني الاحمر، الذي الهمني الشجاعة، شكراً للذين يعيبون عليَّ حياتي، حياتي هههههههههههه يا لها من حياة تافهة !!! هل يمكنني ان أسميها حياة، ربما، كثيرون هم الذين يعتقدون بانني قلت شيئاً ذا معنى، اشكرهم من القلب. لا أريد مديحاً، أنا اكتب ما كنته ذات يوم.