اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: حين انتحلتُ اسم فنسنت!

باليت المدى: حين انتحلتُ اسم فنسنت!

نشر في: 6 إبريل, 2019: 12:00 ص

 ستار كاووش

هل تود تغيير إسمك؟ أو ترغب بتغيير جزء معين منه؟ هكذا سألتني موظفة البلدية وهي تضع أصابعها العشرة على "الكي بورد"، وعيناها شاخصتان على شاشة الكبيوتر، ثم إستطردت قائلة (لأنك ستحصل على هذا التغيير مجاناً إن كنت بحاجه له الآن) لتكمل حديثها (في حين، ستدفع مبلغاً من المال إن قمت بذلك في وقت قادم). قالت جملتها الأخيرة وهي منشغلة بتثبيت بعض المعلومات، وقتَ حصولي على الجنسية الهولندية. فقلت لها بنبرة تبدو جادة جداً: نعم، أحب أن أغير إسمي بالتأكيد. وهنا إنبرت متسائلة (وما هو الأسم الجديد الذي تريده) فقلت لها وأنا أحاول أن أكتم ضحكة كادت تقفز وتصطدم بوجهها: أريد أن يكون إسمي الجديد (فنسنت فان غوخ)، وبالكاد أَكْمَلَتْ كتابة فنسنت... حتى تَوَقَّفَتْ فجأة، لتفتح عينيها وترفع رأسها نحوي، ونضحك معاً ضحكة كبيرة دَوَتْ في أركان الغرفة. بعد أن هدأت موجة الضحك قلت لها: جميل إنكِ فهمتِ بأني أمزح، أحب فنسنت كثيراً، لكني بالتأكيد لا أريد أن أغير اسمي.
إرتبطتُ منذ صباي إرتباطاً روحياً بفنسنت فان غوخ، قرأت سيرته وتفاصيل كثيرة عن فنه وحياته، وتفحصت معالجاته من خلال الكتب الفنية العديدة، وتأثرت بعدها بتقنيته وأسلوبه أثناء دراستي الرسم في الأكاديمية. وقد وصلت الى هولندا حين كنت في السابعة والثلاثين من العمر، وهو ذات العمر الذي إنتحر فيه فنسنت. وقتها لم أكن قد إطلعت على أي عمل أصلي له، فتوجهتُ مباشرة الى متحفه في أمستردام، لإشاهد المئات من لوحاته وأتابع فرشاته التي تسير على قماشات الرسم بعاطفة قل مثيلها، وهكذا توالت زياراتي للمتحف للوقوف أمام أعماله والاطلاع على النسخ الأصلية من رسائله، وسافرت الى بلدان متباعدة لأشاهد لوحاته الأخرى في متاحفها، حتى تسنى لي رؤية كل أعماله الأصلية تقريباً.
إنتقلتُ من روتردام وعِشتُ عشر سنوات في هوخفين، وهي ذات المدينة التي عاش فيها فنسنت فان غوخ في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وحين كنت أذهب كل يوم الى (معهد درينته) لدراسة اللغة الهولندية، كنت أمر بمحاذاة بيته الذي تحول الى مؤسسة ثقافية تحتوي على تفاصيل كثيرة من ضمنها غاليري. وفي كل مرة كانت خطواتي تقترب من البيت، كنتُ أديرُ رأسي نحو تمثال فنسنت النصفي المثبت على الجدار قائلاً: صباح الخير فنسنت. وشاءت المصادفات أن تأتيني بعد فترة من الزمن دعوة لإقامة معرض شخصي في ذات البيت، وقد أقمت المعرض سنة 2006 وحمل عنوان (تحية الى فنسنت)، وعند الافتتاح كنت أقف بجانب مدير المؤسسة، نمسك بقدحي نبيذ ونتبادل أطراف الحديث، حين تقدمت استاذتي في اللغة الهولندية ساسكيا وحجزت واحدة من اللوحات. لحظتها أمالَ المدير رأسه ناحيتي وقال بصوت منخفض (لقد بُيعت أول لوحة) ثم استطرد مازحاً (هذه علامة جيدة لأن صاحب البيت ذاته لم يبع شيئاً في حياته)، فشعرت بالخجل من المزحة ذات الكوميديا السوداء.
مرَّت السنوات وتحسنت لغتي الهولندية بشكل جيد، لأبدأ بترجمة رسائل فان غوخ التي صدرت في كتاب عن متحفه في امستردام، وهذه أول مرة تترجم فيها هذه الرسائل مباشرة من الهولندية الى العربية، وهي تنشر الآن على حلقات في الجريدة الثقافية الأنيقة (تاتو). وكانت مفاجئة عظيمة حين إكتشفتُ أن بعض هذه الرسائل كان قد كتبها فنسنت في ذات البيت الذي أقمت فيه معرضي الشخصي! يبقى العالم صغيراً كما يقول الهولنديون، ويمكن لتفاصيل لم تخطر على بال أحد أن تجتمع وتتوحد، وربما الأرواح أيضاً بأمكانها أن تتخاطر وتلتئم بمحبة نادرة.
الآن بودي أن أرى موظفة البلدية من جديد لأحدثها عن هذا كله، وأُذكِّرُها بحادثة الأسم الذي وددتُ مازحاً... تغييره. أو أن أبتسم وأتذكر حادثة أخرى تتعلق بالإسم، بطلها صديق عراقي لديه موهبة كبيرة، لكن لسانه طويل، كنا قد أقمنا معرضاً مشتركاً في مدينة كييف قبل سنوات بعيدة، وقتها اعترضت لأن إسمي كان مكتوباً بشكل خاطئ في "بروشور" المعرض، فما كان منه إلّا أن يجيب على إعتراضي بعصبية وهو يميل جسده الى الخلف (وإذا غلط بالإسم؟ هسه قابل أنت بيكاسو؟! خو مو بيكاسو؟).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram