اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > نص: الــرجــــــــــــل

نص: الــرجــــــــــــل

نشر في: 28 إبريل, 2010: 04:31 م

1-2ابراهيم الحريريـ : تأخرت يا سيدتي. قال الطبيب معاتباً. ثم التفت إلى الرجل متسائلا: ـ : انه زوجي. قالت المرأة.ـ : حسبتك... ((توقف متردداً)). لكن لا يهم. لا يهم. هذا أفضل. سأعود بعد ثوان. قال وفي عينيه نظرة شك.
اربدّت سحنة الرجل. احتقن وجهه. حسبها. ماذا؟ عاهرة؟ متورطة؟ وأنا... من أكون؟ عشيقها؟ سمسارها؟عاد الطبيب. لم يستطع أن يجلو عن عينيه نظرة الشك. التفت إلى الرجل:ـ : أنتما سعوديان؟ـ : عراقيان. ردّ الرجل بصوت واهن.تظاهر الطبيب بعدم الفهم. وضع كفه خلف أذنه السمراء الكبيرة: هاه؟. ـ : عراقيان. عراقيان! صرخ الرجل مقرباً وجهه المحتقن من أذن الطبيب.ـ : أنتما... ثم توقفتوجه إلى الرجل: العملية تكلف مئة وخمسين جنيهاً وعشرين للممرضة.ـ : ولكنك قلت... وهو يخرج النقود الخضراء. كانت المرأة قد أخبرته إن العملية تكلف مئة وخمسين جنيهاً فقط. لكن الطبيب اكتشفهما. أجنبيان. إنه السعر السياحي. الإجهاض السياحي. قتل الأبناء بالسعر السياحي. حسن انه لم يطلب الأجرة بالدولار.أطلت الممرضة، نحيلة قصيرة بوجه شاحب طويل مثلث كأنه قناع: ((الأوضة جاهزة يادكتور)) واختفت في الرواق.نهض الطبيب، اقتاد المرأة، وهي تغيب في الرواق ألتفتت إليه مستنجدة. للمرة الأولى تلتقي عيونهما منذ  اتخذا القرار. أشاح الرجل. أطرق. لم يرفع رأسه حتى غابت المرأة في الرواق.رفع الرجل رأسه. نظر إلى ساعته. كانت الثانية عشرة إلا ربعا. ((سينتهي كل شيء في ربع ساعة)). ذرع الصالة. تفحص أشياءها. الكراسي الجلدية القديمة والكراسي الخشبية المشغولة في الزاويتين المظلمتين والمزهريات المستدقة العنق، المنتفخة الوسط. كأنها نساء على وشك الولادة! جفل الرجل للمفارقة.انحط على الكرسي الجلدي. نظر إلى ساعته. لم تكن قد مضت دقيقة. نظر إلى الساعة الجدارية القديمة الكبيرة التي تواجهه. كان قرص الساعة الأبيض متسخاً مقشوراً في أكثر من موضع وعقربهما يعلوهما الصدأ، يتوسطها رقاص ساكن صدىء مثل جثّة تتوسط لحداً. مدّد قدميه وأغمض عينيه.* * *rnكان المقرىء يقرأ القرآن في الصالة الكبيرة الواسعة. لم يكن فيها غيره. في الغرفة الداخلية المطلة  على الصالة كان الرجل يقرفص بملابسه الداخلية على كرسي الخيزران.كان يتطلع من النافذة بعينين ساهمتين. تحرق أصابعه المصفرة سيجارة سريعة الاشتعال.كانت المرأة تجلس على طرف السرير تضع رأسها في حجرها تنهنه وتنشج.اقترب الطبيب من سرير الطفلة. كانت قد كفت عن الحركة منذ زمن. لفّها بشرشف أبيض.. رفعها بين ذراعيه فتهدل الشرشف على الجانبين، ثم توجه إلى الصالة الفسيحة.اقترب الطفل من المرأة. ((أين يأخذها). سأل أمه.ـ : لفوق، أشارت المرأة بحركة مستسلمة.ـ : ماذا يوجد فوق؟ـ : الله.. ـ : ومن هو الله؟ سأل الطفل.أحست المرأة بالحرج. لم تعرف كيف توضح: ((أبونا)) قالت بعد تردد.نظر الطفل إلى الرجل المقرفص على الكرسي. أراد إن يسأل: وهذا؟.. لكنه سأل:ـ : ولماذا يأخذها؟ـ : لأنه يحبها.ـ : أكثر منا؟ـ : لا أدري. قالت المرأة وقد بدا عليها الضيق.ـ : وهل يحبني أنا أيضا؟ سأل الصغير وقد استولى عليه الرعب.    نظر إلى الصالة. كان الطبيب يرفع قدما باتجاه الباحة المطلّة على الحديقة، فيما لا تزال الأخرى مرتكزة على أرضية الصالة.    كان الشرشف الأبيض يتدلى من بين ذراعيه يتخلله الهواء ويحركه. ارتفع الطبيب. تحرك الشرشف وهفهف. ركض الصغير. تشبث بقدميه يريد أن يعيدهما إلى الأرض وهو يصرخ: يارا.. يارا... يارا.* * *rn فتح الرجل عينيه. خيّل إليه أن أحداً يصرخ. نظر إلى الساعة. كان لا يزال ثمة الكثير من الوقت. نهض. ذرع الصالة الكابية. توقف عند الصورة العائلية. ثمة صورة منفردة لامرأة مسنّة. كان وجهها عريضاً تضيئه ابتسامة هانئة رضية. عيناها الصغيرتان تشعان طيبة وحنانا، وشعرها الأبيض مفروق عند الوسط. توقف الرجل عندها طويلا. غادرها إلى الصورة الأخرى. ثمة رجل ونساء. امرأة أخرى. نساء صغيرات. رجل ربعة سمين بنظارتين يقف في الوسط. كانوا جميعاً، يبتسمون ابتسامة الرضا البلهاء. فتح الإطار. قلب الصورة بحيث بدا قفاها من خلف الزجاج أبله ناصعاً. توجه إلى المقعد الجلدي. تهالك عليه مثل جثة. أشعل سيجارة وأغمض عينيه.* * *rn كانت المرأة ممدة على السرير يغطيها شرشف أبيض حتى أعلى عنقها. كان وجهها شاحباً أبيض بلون الشرشف وعيناها مطبقتين يسح منهما على خديها خطان من الدمع الغزير.دخل الرجل يحمل حقيبة جلدية سوداء حائلة منتفخة. كان قصيراً سميناً بنظارتين سميكتين. توجه الرجل إلى الصغير المتشبث بحافة السرير: اخرج يا شاطر. وهو يضع على وجهه ابتسامة عريضة. ((اخرج. انه الطبيب)) قالت المرأة بصوت واهن.وعندما ازداد الصغير تشبثاً بحافة السرير، دفعه الطبيب بلطف. قاوم. دفعه بعنف خارج الغرفة ثم أغلق الباب.قرفص الصغير قرب الباب. أصاخ.    بدا كأن دهراً مضى حتى هزته صرخة حادة.صرخ. حرك  مقبض الباب. كان مغلقاً من الداخل. وحين رأى خيطاً من الدم يتسلل من تحت الباب،&am

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram