TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: تصلِح التقنية ماخربته الآيديولوجيا!

قناديل: تصلِح التقنية ماخربته الآيديولوجيا!

نشر في: 13 إبريل, 2019: 12:00 ص

 لطفية الدليمي

لن نجافي الحقيقة إذا قلنا إنّ الأصوليات الآيديولوجية العربية التي تمثّلت في عناوين حزبية عريضة فشلت فشلاً ذريعاً في التعامل مع مخرجات العلم والتقنية ؛ لذا بات في عداد الأمور المسلّم بها أن نبحث عن مخرج مناسب من عنق هذه الزجاجة (الأصولية) والإنطلاق الحرّ نحو فضاء التجارب الناجحة، ولابأس من تمثّل بعض التجارب التي سبقتنا وأثبتت بالدليل الملموس رياديتها وتأثيرها في خلق إنعطافات مؤثرة في حياة شعوبها والعالم أجمع.
أمسى وادي السليكون في كاليفورنيا علامة فارقة في عصرنا هذا على الصعيدين التقني والآيديولوجي : أما التقني فهو لكون وادي السليكون تطوّر من مرفق تقني بسيط إلى مطبخ تقني هائل يجري فيه تجريب كلّ التقنيات الثورية الجديدة وبخاصة في ميدان الإتصالات والمعلوماتية ، وأما الجانب الآيديولوجي فيعود لكون وادي السليكون صار مثالاً للكيفية التي تتعشق بها الأفكار العلمية المستحدثة مع التطبيقات غير المسبوقة بطريقة مؤثرة على الصعد كافة -السياسية والإقتصادية والمالية وبحيث لم يعُد ثمة إمكانية لتخليق آيديولوجيات بعيدة عن الفضاء العلمي والتقني كما كان الأمر في العقود الماضية من القرن العشرين.
لنلقي نظرة على تجربة الهند مثلاً: هذه المئات من ملايين البشر الذين وُصفوا بأنهم (أمة من العباقرة) بحسب عنوان كتاب يحكي عن التجربة الهندية في كيفية وضع بصماتها المميزة على معظم مفاصل سوق المعلوماتية العالمية ، وقد بلغ الأمر أن يصبح معظم الشخصيات القيادية في المفاصل التقنية العالمية هنوداً ذوي إمكانات إدارية وتقنية عالية . فهناك في الهند جرى تأسيس مركز تقني في مدينة ( بنغالور ) شبيه بنظيره الأمريكي في ولاية كاليفورنيا، وقد ساهم المركز الهندي في تدريب الآلاف من الكفاءات العالية التي شاركت في إطلاق مارد الإقتصاد الهندي ونقله إلى مصاف الإقتصادات العالمية العملاقة .
ماذا لو فكّرنا بإنشاء ( وادي سليكون ) عربي ؟ تبدو الفكرة جذابة وعملية من أوجه كثيرة ؛ فهي تمثل إستثماراً في إقتصاد المعرفة المعروف بضخامة نواتجه المالية وتأثيراته الكبيرة باعتباره الماكنة التي ستعمل على الإرتقاء بالمجالات الأخرى وبخاصة في حقل التعليم والذكاء الإصطناعي والأتمتة ؟ ومعروف إن إقتصاد المعرفة يتعامل في المقام الأول مع العقول الطموحة والمتطلعة إلى تحقيق إنجازات عظيمة من شأنها قلب معادلة التخلف المفروضة على واقعنا.
ولكي تكون الفكرة عملية وليست محض تحليقات في فضاء الأفكار الجميلة فحسب سيكون تعشيقها مع جانب عملي واسع النطاق أمراً بالغ الضرورة ، وعلى سبيل المثال يمكن إتخاذ المثال الهندي أيضاً دليل عمل في هذا الميدان، وذلك بتصنيع حاسوب لوحي ( تابلت) بمواصفات مناسبة تفي بأغراض التعليم المدرسي، وهنا ستنشأ دورة عمل ثنائية متبادلة التأثير؛ فمن جهة سنضمن تصنيع جهاز لوحي منخفض التكلفة يفيد طلبة المدارس ويساعدهم على ولوج عتبة العصر الرقمي منذ بواكير حياتهم ، ومن الجهة الأخرى سيساهم الطلب الكبير على هذه الأجهزة في تخفيض كلفتها واستمرارية دورة العمل حتى لو كانت كلفة هذه الأجهزة أعلى قليلاً من نظيراتها الأجنبية في مراحلها الأولى ؛ لكنّ تطوير قاعدة المعرفة التقنية يتطلّب قدراً من الدعم المالي الأوّلي وحتى يبلغ المشروع مرحلة يديم بها نفسه من عوائد مبيعاته التقنية واسعة النطاق.
تصلحُ التقنية ماخرّبته الأيديولوجيا : هذه هي نقطة الشروع المناسبة التي يمكن التأسيس عليها لبناء قاعدة علمية تقنية عربية رصينة في عصر حلّت فيه التقنية محلّ الآيديولوجيات الأصولية الآفلة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram