ترجمة حامد أحمد
عندما تسير ، ليلى صالح ، بخطواتها السريعة السلسة متنقلة بين أنقاض وحطام مدينة الموصل فإنها تعرف بالضبط أين تريد أن تذهب . فيما إذا كان المكان المدينة القديمة في الموصل حيث موقع النمرود التاريخي ، أو عند بقعة ما حيث تم تعرض قطع أثرية في متحف الموصل للتحطيم ، فإن صالح تعرف بأن الانقاض غالباً ما قد تخبئ تحتها بقايا قطع أثرية محطمة بالامكان تجميعها سوية وإرجاعها كما كانت إذا كان يتوفر للشخص عزيمة وصبر لفعل ذلك.
بعد تخرجها من جامعة الموصل عام 1999 ، كرست صالح اهتمامها بعلم الآثار . ولحد عام 2009 كانت تعمل في متحف الموصل . في العام 2012 تم تعيينها رئيسة قسم الأبنية التاريخية في هيئة الآثار لمحافظة نينوى التابع لهيئة التراث والآثار العامة العراقية . في هذه الأثناء واصلت دراساتها الاكاديمية وحازت عام 2013 على شهادة الماستر في علوم الآثار الإسلامية من جامعة بغداد. بعد أشهر قليلة من ذلك اضطرت للهروب من مدينتها التي تحبها وذلك بعد اجتياح تنظيم داعش للموصل وسيطرته عليها حيث اتجهت نحو كركوك وبغداد وأربيل. وقالت لموقع مونيتر الاخباري وهي تشعر بحزن حين تذكرها شريط فيديو التنظيم الدعائي الذي يظهر فيه اتباعه وهم يقومون بتحطيم آثار الموصل بالمعاول " خلال سنوات الاحتلال الثلاثة لمدينتنا يصعب علي بحق النظر على ما كان يقوم به التنظيم من تدمير لآثار حضارة وادي الرافدين ، الارث الحضاري الذي ننتمي إليه."
عندما بدأ الجيش العراقي بشن حملته العسكرية في تشرين الأول عام 2016 لتحرير محافظة نينوى وسهولها من قبضة تنظيم داعش ، عمدت العالمة الاثارية ، صالح ، الى تعقب الجنود مباشرة لزيارة المواقع الآثارية التي دمرها تنظيم داعش.
الأثر الوحيد المهم الذي خلفه تنظيم داعش من تدميره لنينوى هو حفره لنفق لم يتم فعله من قبل كشف عن قصر آشوري تحت جامع مدمر . وقالت الآثارية صالح بهذا الخصوص " كنت أعرف بانه يوجد قصر آشوري هناك تحت مبنى جامع النبي يونس ، الذي يعتقد بأن النبي نوح مدفون هناك . ولكن في تنقيباتنا التي جرت بين عامي 2004 و2005 لم نتمكن من التقدم أكثر في حفرنا بسبب الجامع والضريح المقدس." ولكن عندما نسف تنظيم داعش موقع جامع النبي يونس التاريخي في 24 تموز 2014 ظهر للعيان القصر لآشوري الذي يبلغ عمره 700 2عام الذي بناه ، ايسارحدون ، الذي حكم الامبراطورية الاشورية على مدى 12 عاماً في بداية القرن السابع قبل الميلاد . فريق التنقيب ، الذي تألف فقط من الآثارية صالح وزميلها فيصل جابر ، قد عثرا على كاهنين ، آلهة الحماية الاشورية المنحوتة على هيأة رأس إنسان وجسد ثور أو أسد وجناحي طائر ، وعمودين غريبين كل عمود فيه صف من النساء. قالت صالح " صور الآلهة والاعمدة ماتزال تحت الأنفاق ، وهي نفس الأنفاق التي كان يسخر فيه داعش سجنائه للحفر ومن ثم تهريب الآثار وبيعها في السوق السوداء الدولية للآثار المسروقة."
الزميل ، جابر ، وهو خبير جيولوجي عمل مع صالح في فريق التنقيب قال لموقع مونيتر " عندما قام تنظيم داعش في تموز عام 2014 بتفجير جامع النبي يونس المنسوب للنبي نوح ، كنت أتوقع أن تحدث ثورة لأهالي الموصل ضد تنظيم داعش ولكن لم يحصل شيء ." مشيراً الى ان جامع النبي يونس كان بمثابة موقع يقصده المسيحيون والمسلمون سواء فضلا عن اقليات عرقية ودينية اخرى التي كانت تزخر بها مدينة الموصل كتنوع ثقافي وديني. وكان كل من الاثارية صالح وزميلها الجيولوجي جابر قد تشاركا في تأسيس ، مركز جلجامش ، للآثار وحماية التراث من اجل توثيق ما احدثه تنظيم داعش من تدمير وسرقة للآثار خلال وبعد معركة تحرير الموصل.
وقالت صالح للمونيتر " في مرحلة من مراحل المعركة لجأ اشخاص محليون في منطقة النمرود بأخذ احجار من المواقع الاثرية لانهم كانوا بحاجة لمواد يعيدون بها اعمار بيوتهم المحطمة."
وتضيف صالح بان تنظيم داعش كان يدعي بان التماثيل والاثار منافية للتعاليم الاسلامية وعلى انها اوثان ، ولكن في الحقيقة ان تحطيمهم للاثار بعيد عن دوافع ايديولوجية بل لتحقيق منافع مالية من خلال سرقة الآثار وتهريبها للبيع في السوق السوداء. وقال الخبير الجيولوجي جابر " عندما يتم إعادة إحياء الجوامع والكنائس والمعابد والمواقع الأثرية من جديد ، فعند ذلك الوقت سيتم إحياء الموصل من جديد. زارت الآثارية صالح المناطق التي تعرضت لدمار كبير في مدينة الموصل القديمة لتقييم الاضرار واحتياجات السكان المحليين الذين يحاولون العودة لمناطقهم . وقالت اثناء زيارتها للمناطق الاثرية القديمة في الموصل القديمة " احد اولويات عملي هو ان اتحدث عن اعادة اعمار الموصل.
دور الآثارية صالح بالنسبة لمجتمعها وبيئتها يتجاوز حدود الجانب الآثاري فقط . فقد عملت لصالح منظمة العفو الدولية في معسكرات النازحين العراقيين ، وتعاونت أيضاً مع منظمة انسانية ايطالية في مجال رعاية النساء في الموصل من توفير دعم صحي ونفسي لنساء وفتيات عانين من عنف تسلط داعش على مدينتهم خلال ثلاث سنوات.
وقالت صالح في حديث لها أثناء جلسة في مقهى قراءة كتاب " أنا لم أكن أرغب بان أصبح مهندسة أو مدرسة أو طبيبة .. ولكنني اخترت مجال علم الآثار . فهذا العلم يجمع كل ما أنا اعتقد واهتم به . فهي مهنة تجمع بين الثقافة والسياسة والبناء السلمي ، وخصوصاً بالنسبة للمرأة في تعزيز دورها في هذا المجال . فأنا أكون متفائلة بالمستقبل من خلال عملي فقط."
عن موقع مونيتر الاخباري