سامي عبد الحميد
شهدت الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات نهضة مسرحية متصاعدة في العراق وربما في بلاد عربية أخرى، فظهر كتّاب مسرحية مقتدرون غطت نصوصهم الساحة المسرحية ونافست نصوص المسرح العالمي بموضوعاتها ذات العلاقة بهموم المواطن وتطلعاته نحو مستقبل أفضل، وبأشكالها الفنية المكتملة في عناصرها الدرامية ونذكر على سبيل المثال، نصوص يوسف العاني (الخرابة والمفتاح والشريعة والخان والجومه) ونصوص عادل كاظم (تموز يقرع الناقوس) وعقدة حمار والطوفان والحصار). ونصوص طه سالم (طنطل والكوره وما معقولة) ونصوص نور الدين فارس ومحي الدين زنكنه وجليل القيسي، وفلاح شاكر.
وفي تلك المراحل اثبت المخرجون المسرحيون قدرات فائقة في معالجاتهم الفنية سواء في تعاملهم مع النصوص المسرحية العالمية المشهورة امثال نصوص شكسبير وإبسن وبريخت وغيرهم، أو مع النصوص العربية مثل باب الفتوح وثورة الزنج وحفلة سمر في خمسة حزيران أو مع النصوص العراقية مثل النخلة والجيران وبغداد الأزل والبيت الجديد وفوانيس والجنة تفتح أبوابها متأخرة ولو ومطريمية وألف رحلة ورحلة.
وفي تلك المرحلة أيضاً برز مصممو المناظر المسرحية وتميزت أعمالهم بالابتكار والتفرد أحياناً ونذكر منها على سبيل المثال أعمال الراحل (كاظم حيدر) في انتغونا والحيوانات الزجاجية وهاملت عربياً والخان. وأعمال (فاضل قزاز) في الخيط وطنطل والكورة.
وفي تلك المرحلة راجت الفرق الخاصة (الفني الحديث والشعبي واليوم واتحاد الفنانين) تتنافس في تقديم عروض مسرحية متقدمة شكلاً ومضموناً وتقدمت في العديد منها على عروض فرقة الدول (الفرقة القومية للتمثيل) بل إن عدداً من أعضاءها كان في الأصل أعضاءً في الفرق الخاصة وكانت بعض الفرق الخاصة تلقى دعماً مالياً من وزارة الثقافة لكي تواصل عملها الفني والاداري. وقد استطاعت تلك الفرق أن تبلورت جمهوراً واسعأً متذوقاً. وكان هناك عدد مناسب من ابنية المسارح ( المسرح الوطني ومسرح الرشيد ومسرح بغداد ومسرح الستين كرسي ومسرح المنصور ومسرح النجاح ومسرح الرافدين ومسرح الخيمة و... ) وكلها شهدت عروضاً مسرحية قيّمة وجمهوراً واسعاً. وحتى عروض المسرح التجاري كانت بمستوى مقبول فنياً وفكرياً ونذكر منها على سبيل المثال مسرحيات (المحطة وبيت وخمس بيبان، والخيط والعصفور).
أما اليوم فقد تراجعت الحركة المسرحية في العراق خطوات إلى الوراء، وقد غابت عن الساحة نصوص أولئك الكتّاب المبدعين وظهر عدد قليل من الكتّاب الجدد، ولا نستطيع مقارنة نصوصهم بمستواها الفني والفكري بمستوى الكتّاب القدماء الا بحالات نادرة. ورغم أدعاء المخرجين المسرحيين الجدد هذه الأيام بأنهم مجددون وإنهم يعافون أعمال المخرجين القدماء التقليدية فأن أعمالهم إن دلت على شيء فتدل على نقص في الثقافة المسرحية والخبرة الكافية، وتفتقر معظم أعمالهم إلى التكامل أو إلى عناصر الأقناع ونادراً ما يتناولون نصوصاً مسرحية متكاملة ومشهورة عالمياً وما يؤخذ عليهم كونهم يتنكرون لمسرح الماضي وينكرون انجازات من علمهم فن المسرح. وأقل ما يقال عن المصممين هذه الأيام كونهم لا تتوفر فيهم صفات التصميم المسرحي والخبرة في الفن التشكيلي وفن العمارة وفنون الدراما وتغلب على تصاميمهم صفة الابتعاد عن العلاقة بموضوع المسرحية التي يصممون لها إلا في حالات نادرة.
واليوم أين هي تلك الفرق الخاصة (الأهلية) التي نافست فرقة الدولة بل ان هذه الفرقة (الفرقة الوطنية للتمثيل) فأن معظم أعضاءها وهم كثر لايشاركون في عروضها المسرحية ومعظم المشاركين من خارج الفرقة واليوم أين هي أبنية المسارح وليس هناك سوى المسرح الوطني ومسرح الرافدين. ثم انظروا إلى عروض المسرح التجاري المخزية والتي تتصف بالابتذال والرخص للأسف.
في المراحل السابقة ظهرت في الساحة المسرحية عروض للمسرح الموسيقي ومنها (بيادر الخير) البصرية وبعض عروض فرقة المسرح العسكري وظهرت عروض للمسرح الصامت تولاها كل من (محسن الشيخ ومنعم سعيد، واليوم ظهرت عروض الدراما الراقصة المتشابهة في أشكالها والمتكررة في أسلوبها وهي وحدها علامة متميزة من علامات الحركة المسرحية في العراق.
ولكن مع اعترافنا بالتراجع فأننا نعترف أيضاً بجهود مجموعة من شباب المسرح في إدامة الحركة رغم العوائق والصعوبات. ولولاهم ولولا البعض من الجيل السابق ممن استمر بالعطاء لمات المسرح في العراق.