TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كواليس: الفن المسرحي في بلادنا يتراجع

كواليس: الفن المسرحي في بلادنا يتراجع

نشر في: 16 إبريل, 2019: 12:00 ص

 سامي عبد الحميد

شهدت الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات نهضة مسرحية متصاعدة في العراق وربما في بلاد عربية أخرى، فظهر كتّاب مسرحية مقتدرون غطت نصوصهم الساحة المسرحية ونافست نصوص المسرح العالمي بموضوعاتها ذات العلاقة بهموم المواطن وتطلعاته نحو مستقبل أفضل، وبأشكالها الفنية المكتملة في عناصرها الدرامية ونذكر على سبيل المثال، نصوص يوسف العاني (الخرابة والمفتاح والشريعة والخان والجومه) ونصوص عادل كاظم (تموز يقرع الناقوس) وعقدة حمار والطوفان والحصار). ونصوص طه سالم (طنطل والكوره وما معقولة) ونصوص نور الدين فارس ومحي الدين زنكنه وجليل القيسي، وفلاح شاكر.
وفي تلك المراحل اثبت المخرجون المسرحيون قدرات فائقة في معالجاتهم الفنية سواء في تعاملهم مع النصوص المسرحية العالمية المشهورة امثال نصوص شكسبير وإبسن وبريخت وغيرهم، أو مع النصوص العربية مثل باب الفتوح وثورة الزنج وحفلة سمر في خمسة حزيران أو مع النصوص العراقية مثل النخلة والجيران وبغداد الأزل والبيت الجديد وفوانيس والجنة تفتح أبوابها متأخرة ولو ومطريمية وألف رحلة ورحلة.
وفي تلك المرحلة أيضاً برز مصممو المناظر المسرحية وتميزت أعمالهم بالابتكار والتفرد أحياناً ونذكر منها على سبيل المثال أعمال الراحل (كاظم حيدر) في انتغونا والحيوانات الزجاجية وهاملت عربياً والخان. وأعمال (فاضل قزاز) في الخيط وطنطل والكورة.
وفي تلك المرحلة راجت الفرق الخاصة (الفني الحديث والشعبي واليوم واتحاد الفنانين) تتنافس في تقديم عروض مسرحية متقدمة شكلاً ومضموناً وتقدمت في العديد منها على عروض فرقة الدول (الفرقة القومية للتمثيل) بل إن عدداً من أعضاءها كان في الأصل أعضاءً في الفرق الخاصة وكانت بعض الفرق الخاصة تلقى دعماً مالياً من وزارة الثقافة لكي تواصل عملها الفني والاداري. وقد استطاعت تلك الفرق أن تبلورت جمهوراً واسعأً متذوقاً. وكان هناك عدد مناسب من ابنية المسارح ( المسرح الوطني ومسرح الرشيد ومسرح بغداد ومسرح الستين كرسي ومسرح المنصور ومسرح النجاح ومسرح الرافدين ومسرح الخيمة و... ) وكلها شهدت عروضاً مسرحية قيّمة وجمهوراً واسعاً. وحتى عروض المسرح التجاري كانت بمستوى مقبول فنياً وفكرياً ونذكر منها على سبيل المثال مسرحيات (المحطة وبيت وخمس بيبان، والخيط والعصفور).
أما اليوم فقد تراجعت الحركة المسرحية في العراق خطوات إلى الوراء، وقد غابت عن الساحة نصوص أولئك الكتّاب المبدعين وظهر عدد قليل من الكتّاب الجدد، ولا نستطيع مقارنة نصوصهم بمستواها الفني والفكري بمستوى الكتّاب القدماء الا بحالات نادرة. ورغم أدعاء المخرجين المسرحيين الجدد هذه الأيام بأنهم مجددون وإنهم يعافون أعمال المخرجين القدماء التقليدية فأن أعمالهم إن دلت على شيء فتدل على نقص في الثقافة المسرحية والخبرة الكافية، وتفتقر معظم أعمالهم إلى التكامل أو إلى عناصر الأقناع ونادراً ما يتناولون نصوصاً مسرحية متكاملة ومشهورة عالمياً وما يؤخذ عليهم كونهم يتنكرون لمسرح الماضي وينكرون انجازات من علمهم فن المسرح. وأقل ما يقال عن المصممين هذه الأيام كونهم لا تتوفر فيهم صفات التصميم المسرحي والخبرة في الفن التشكيلي وفن العمارة وفنون الدراما وتغلب على تصاميمهم صفة الابتعاد عن العلاقة بموضوع المسرحية التي يصممون لها إلا في حالات نادرة.
واليوم أين هي تلك الفرق الخاصة (الأهلية) التي نافست فرقة الدولة بل ان هذه الفرقة (الفرقة الوطنية للتمثيل) فأن معظم أعضاءها وهم كثر لايشاركون في عروضها المسرحية ومعظم المشاركين من خارج الفرقة واليوم أين هي أبنية المسارح وليس هناك سوى المسرح الوطني ومسرح الرافدين. ثم انظروا إلى عروض المسرح التجاري المخزية والتي تتصف بالابتذال والرخص للأسف.
في المراحل السابقة ظهرت في الساحة المسرحية عروض للمسرح الموسيقي ومنها (بيادر الخير) البصرية وبعض عروض فرقة المسرح العسكري وظهرت عروض للمسرح الصامت تولاها كل من (محسن الشيخ ومنعم سعيد، واليوم ظهرت عروض الدراما الراقصة المتشابهة في أشكالها والمتكررة في أسلوبها وهي وحدها علامة متميزة من علامات الحركة المسرحية في العراق.
ولكن مع اعترافنا بالتراجع فأننا نعترف أيضاً بجهود مجموعة من شباب المسرح في إدامة الحركة رغم العوائق والصعوبات. ولولاهم ولولا البعض من الجيل السابق ممن استمر بالعطاء لمات المسرح في العراق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram