TOP

جريدة المدى > غير مصنف > في (اذا الايام اغسقت) .. حياة شرارة ..صورة الواقع والحياة الروائية

في (اذا الايام اغسقت) .. حياة شرارة ..صورة الواقع والحياة الروائية

نشر في: 28 إبريل, 2010: 04:46 م

بلقيس شرارة الالتزام.. سياسياً واجتماعياًنشأت «حياة شرارة» في جو أدبي سياسي، و تشبعت في الأجواء الأدبية و السياسية منذ طفولتها، فغرست فيها اللقاءات الأدبية التي كانت تقام في دار والدنا، حَبها و تتبعها إلى الأدب و الشعر و القصة و الرواية و النقد. فأصبحت نهمة في القراءة و استيعاب ما كانت تقرأه.
كما جعلتها اللقاءات السياسية، تدرك و تؤمن منذ نعومة أظفارها، أن هنالك ظلماً و إجحافاً في المجتمع من خلال ما تعرض له والدنا، من اعتقال و سجن، انعكسا بدورهما على العائلة أيضاً. أدّت هذه الأحداث بها، إلى البحث عن أداة أو منظمة تجد فيها المنهاج المناسب الذي تتفاعل معه بإثارة شعورها بالإجحاف، و وجدت في الحزب الشيوعي تلك الأداة المناسبة التي كانت تنشدها. فانتمت إلى الحزب الشيوعي في السادسة عشرة من عمرها، و وجدت في الفكر الشيوعي الحلول التي كانت تتوق لها في تغيير مستقبل الشعب، وحل مشاكله، و الانتقال به إلى عالم آخر يسوده العدل و الإنصاف، و هو انتقال محّتم كما يعتقد الحزب الشيوعي. فهذا الانتشاء بالحياة الموعودة و الحلم بخلاص البشرية من البؤس و الإذلال هي النظرة الخلاصية التي لاذت بها المنظمات التقدمية، لأنها تعطي رؤية إلى المستقبل و خلاصها من الوضع الذي هي فيه. و لأنها منظمات واضحة في منهجها و هدفها، فهي مريحة من الناحية النفسية، و بها ضبط للذات و إعطاء هوية. يظهر الالتزام في المجتمع بأشكال متعددة، و كثيراً ما يكون متضارباً ضمن المجتمع الواحد. لأن نفسية الإنسان مركبة، تجمع أحياناً تناقضاً بين الالتزام و التفرد وكرامة الذات. فهناك الالتزام الديني و الطائفي و القبلي و السياسي. أما الالتزام السياسي فهو على نوعين: 1 - الالتزام السياسي الصارم، الذي يتمثل بحزب البعث أو الحزب الشيوعي أو الأحزاب الأصولية الأخرى. فلا يمكن للفرد في هذا النوع من الالتزام السياسي أو الديني الصارم، أن يخرج عن قرارات الحزب، و يتفرد عن الآخرين، و إنما يجب أن يكون من ضمن المنظومة الحزبية و يتنازل بذلك عن إرادته و حريته. و تصبح الذات خاضعة لنظام الحزب و ذلك واضح في جميع المجتمعات الشمولية. 2 – أما الالتزام الآخر فهو الالتزام السياسي العقلاني، الذي يتمثل بالأحزاب الديمقراطية، كالحزب الوطني الديمقراطي في العراق. و يتصف الالتزام السياسي العقلاني، في أنه يسمح للفرد بالتفرد ضمن التضامن الاجتماعي، و لذا فانه يعتمد حرية المساءلة و التسوية. فكل قضية معرضة إلى تسوية للتوصل إلى حلول لصالح الطرفين، و هو واضح في أحزاب الدول الغربية، كما نشاهد ذلك في حزب المحافظين أو حزب العمال في إنكلترا و أحزاب الدول الديمقراطية الأخرى في أوربا و أمريكا، لأنها مجتمعات مدنية تؤمن بالتعددية و تعتمد على تفرد الفرد و تضامنه في المجتمع. اللون الوردي لراجيف غانديو عندما زار راجيف غاندي، رئيس الوزراء الأسبق في الهند، الولايات المتحدة في منتصف الثمانينيات، سُِئل عن علاقته بالاتحاد السوفيتي، إذ كان الاتحاد السوفيتي يعتبر آنذاك رمزاً للشر في عهد الرئيس ريغن، عندما أطلق عليه اسم « دولة الشر »، أجاب راجيف غاندي: لا يوجد عندنا لونان فقط، الأبيض و الأحمر، و إنما عندنا لون ثالث، و هو اللون الوردي. و يعني بذلك الحل الوسط و التسويات السياسية. يفتقد الالتزام السياسي الصارم إلى الحل الوسط و لا يقبل التعددية، فحياة الفرد خاضعة للقرارات الحزبية، و لا يمكنه الحياد عنها، بل تبتلع أيدلوجية الحزب الفرد و يصبح آلة مسخرة بتطبيقه لتلك الأيدلوجية. و هذا ما تعرضتْ له«حياة» عندما كانت عضواً في الحزب الشيوعي، فكانت تُطبق كل ما يمليه عليها الحزب من أوامر. و لم تشعر في يوم من الأيام، بالتناقض بين إرادتها و إرادة الحزب إلا بعد مرور أكثر من عقد و نصف تقريباً، بعد أن نضجت فكرياً و اعتزلت العمل السياسي. من موسكو الى بغدادعندما عادت «حياة» من موسكو إلى بغداد، انخرطت في سلك التعليم الجامعي، و لكن لم تمر إلا بضعة أعوام حتى تم تسييس التعليم العالي، من قبل حزب البعث الذي سيطر على جميع مرافق الدولة، و نصّب نفسه الممثل الشرعي للسلطة، و تعرض أساتذة الجامعة و منهم «حياة» إلى ضغوط شديدة و تهديد لمستقبلهم، و وجدوا أنفسهم أمام خيارين لا غير، أما ترك الجامعة أو الانتماء إلى حزب البعث. و نتيجة لمثل هذا الضغط السياسي، انتقل بعض الرفاق من الالتزام الشيوعي إلى الالتزام الآخر، و ذلك عندما وجدوا أن التزامهم الأول يتعارض مع مصلحتهم. و تلونوا بكل الألوان الممكنة، و أصبحوا جزءا من القطيع الذي اخذ يصفق و يعزف لحن الحزب الواحد و الرؤية الشمولية، كالأستاذ «وجدي» في رواية « إذا الأيام أغسقت» حيث أصبح من مثقفي السلطة، و تنازل بذلك عن وظيفة المثقف المستقل و المقاوم لمجرى الأحداث التي تفرضها عليه السلطة في الكلية. لأن الأستاذ الذي صار عضواً في حزب البعث أصبح يتمتع براتب أعلى و امتيازات كبيرة، وألقي على عاتقه الدور الأمني و البوليسي الذي يؤديه العميد أو رئيس القسم في الكلية كما هو واضح في رواية « إذا الأيام أغسقت».

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

"إعادة العرض": لوحات فنية ترصد مأساة العراق

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 

مقالات ذات صلة

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 
غير مصنف

البرلمان يستأنف جلساته الاسبوع الحالي بعيداً عن التشريعات الجدلية 

بغداد/ المدى كشف نائب رئيس الأقاليم والمحافظات البرلمانية جواد اليساري، مساء اليوم السبت، عن عودة عقد جلسات مجلس النواب خلال الأسبوع الحالي، فيما أكد عدم وجود أي اتفاق على تمرير القوانين الجدلية. وكان البرلمان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram