علي حسين
منذ أن شرعتُ في كتابة هذه الزاوية المتواضعة ، وأنا أحاول طرح موضوعات لا تجلب لقرّائها اليأس ولا تحاصره بمزيد من البؤس ، غير أنني أخجل أيضاً من أن أشغل القارئ بالدعابات ونكات بهاء الاعرجي عن محاربة الفساد ، ونظرية اسامة النجيفي عن الإصلاح ، وأحاول وأنا أكتب مقالاً أن أعود فيه إلى بعض الكتب التي حالفني الحظ وقرأتها، فأجد أن مفكراً بحجم غرامشي يعترف بأن "الاستبداد ينتعش في زمن الفوضى" ، والفوضى هي التي جعلت البرلمان العراقي يترك قوانين تخص الخدمات والتنمية ويصرّعلى أن العراقيين بحاجة الى شرطة "المحافظة على الأخلاق " ، وان لعبة البوبجي اثرت في العراق على تطور الصناعة والزراعة ، للاسف اليوم نجد العشرات من النواب يخرجون علينا ليصرخوا من شاشة الفضائيات "نحتاج إلى قانون جرائم المعلوماتية " لأن المواطن يتعرض إلى مؤامرة خارجية " ، ومن أجل هذه المهمة " المقدسة " وجدنا النائب عدنان الأسدي يجلس في الاستوديو ، ينظر الى مقدم البرنامج الذي يسأله : ماذا يحدث في البرلمان ، هل حقًا تريدون قوانين تضطهدون بها الناس ؟ يردّ الأسدي وقد ملأت الابتسامة وجهه : نحن نريد الحفاظ على القيم والأخلاق !
قبل هذا القانون كانت حنان الفتلاوي تصرخ كل يوم وهي تشتم متظاهري ساحة التحرير الخونة الذين ينفذون أجندات خارجية ، ثم تكشف الأيام أن الفتلاوي ومن معها هم من نهش جسد الوطن، وتغذّى على لحم المواطن الحيّ، وحوّل الوطنية الى مصدر للتربّح والثراء والكراسي ، وشراء القنوات الفضائية .
في فقرة غريبة ومضحة في القانون نقرأ : " يعاقب بالسجن المؤبد كل من استخدم مواقع الإنترنت للمساس باستقلال البلاد وسلامتها ومصالحها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الأمنية " ، وفات السادة اعضاء البرلمان أنّ هذه الفقرة بالذات لا تعني من قريب او بعيد المواطن الذي لم يشكّل يوماً خطراً على البلاد وإنما هي مفصّلة تفصيلاً على معظم السياسيين من الذين قلوبهم على إيران، وعيونهم صوب أردوغان، ولاينامون الليل إلّا ويطمئنوا أنّ كل شيء تمام في طهران وأنقرة، في الوقت الذي نراهم يصرّون على أن يبقى العراق متصدّراً تصنيف الأمم المتحدة للدول الأكثر بؤساً وخراباً.
منذ ستة عشر عاماً ونحن نعيش في ظلّ مسؤولين باتت تبعيّتهم الكاملة لما تقرّره دول الجوار أمراً واضحاً يتكرر بين اليوم والآخر. ويعلم هؤلاء الساسة والمسؤولون أنّ المواطن العراقي يستطيع أن يحصي بشأنهم عشرات التصريحات التي تساند ما يجري في أنقرة وطهران والدوحة أو الرياض، فيما نراهم لايحسبون حساباً لوطن اسمه العراق.