الأربعاء، 23 إبريل 2025

℃ 21
الرئيسية > أعمدة واراء > آفـة البعـث

آفـة البعـث

نشر في: 10 نوفمبر, 2012: 08:00 م

كان آخر يوم من أيام زيارة وفدنا الثقافي لتونس خصص للقاء المنصف المرزوقي. في طريقنا لغرفة الرئيس كان يسير بجنبي الدكتور مصطفى الفقي، الذي همس بأذني باللهجة العراقية: شفت شلون بساطة الناس في الشارع التونسي قد انتقلت الى هنا أيضا؟ ابتسمت بفعل إتقانه للهجتنا لفظا وإيقاعا. أجبته: طبعا شفتها. اراد ان يقول شيئا آخر لكنه توقف لأننا وجدنا أنفسنا فجأة عند باب غرفة الرئيس الذي كان واقفا هناك لاستقبالنا.
يصعب علي وصف بساطة المرزوقي وتواضعه وسعة ثقافته. حرص الرجل على ان يسمع منا اكثر مما يتكلم. وحين جاء دوري حدثته عن مشاعر العراقيين الذين أحبوه لأنه الرئيس العربي الوحيد الذي اعتذر لهم: "في العراقيين جرح يا سيادة الرئيس صار كما الندب الغائر في الروح بفعل طعنات ابناء امتهم لهم خاصة في ايام حكم صدام المقبور. وزاد الجرح عمقا اكثر بعد سقوط صدام عندما هبّ "الاشقاء" من كل حدب وصوب ليسفكوا دماءنا ويرملوا نساءنا ويذبحوا اطفالانا. اتمنى ان تكون قد وصلتك انباء فرحتهم بك يوم اعتذرت عن اشتراك بعض التوانسة في الأعمال الانتحارية على أرض العراق".
دعانا الرئيس لنكمل الحديث حول مائدة الغداء. كانت هي الأخرى متواضعة جدا حتى وددت ان التقط لها صورة ابعثها للمسؤولين عندنا لعلهم يتعلمون درسا في معنى الرحمة بالمال العام. ودعنا بعدها فمشينا صوب باب القصر الرئاسي وكنت بجانب الفقي أيضا. لم ينس انه اراد ان يقول شيئا فاكمله ونحن في السيارة. قال لي ان سبب بساطة الرئيس والناس والمسؤولين في تونس يعود الى غياب ثقافة العنف في مجتمعهم. لم اجبه خوفا عليهم من الحسد. لكن يبدو اني حسدتهم فعلا. ففي اليوم التالي غادرت تونس. وحين دخلت الطائرة سلمتني المضيفة مجموعة صحف تونسية قرأت منها صحيفة "الشروق" وانا بانتظار ان تقلع الطائرة، وليتني ما قرأتها.
على الصفحة الاولى، وبالمانشيت الأصفر عنوان يقول "قتلة شهيد الأمة صدام حسين على أرض الخضراء!". طالعت تفاصيل الخبر واذا به بيان صادر من حزب البعث التونسي يندد بزيارة وفد برلماني عراقي لتونس. تركز الهجوم فيه على شخصيتي أسامة النجيفي وجعفر الموسوي. وصف البيان النجيفي بانه " عميل متصهين" والموسوي بالـ "مجرم". بيان يزكم الأنف برائحة بذاءته أعاد بذهني ايام البعث السود من "شباطهم"  الى كل عقود حكمهم  التي تلته بالعراق.
هاجموا رئيس المجلس التأسيسي الوطني التونسي  بقولهم انه: "لا يتورّع عن الاحتفاء بالعملاء والخونة والقوّادين". أي نوع مريض من البشر هؤلاء الذين ملأوا سطح وباطن أرض العراق وسوريا بجثث ودماء الأبرياء، وما زالوا يشتمون الناس بهذه الطريقة السوقية؟
يا له من ختام زفت ان انهي زيارتي لبلد جميل بقراءة هذه الوساخة. اقلعت الطائرة فرميت الجريدة المقرفة بعد ان لاحت لي تونس الخضراء من الجو. وضعت يدي على قلبي وانا في السماء. ربي احفظ هذا البلد الطيب من آفة البعث والبعثيين. آمين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

البْصَرة عراقيَّة.. لا عَلويَّة ولا عثمانيَّة

العمود الثامن: الجلوس على أنفاس المواطن

روما على مفترق طرق – هل تكتب الجولة الثانية نهاية أزمة أم بداية تصعيد؟

قناطر: المُوحِشُ المُسْتفرَد بين السعفِ والقبّرات

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

العمود الثامن: نور زهير ياباني !!

 علي حسين منذ سنوات وأنا أقرأ كلّ ما يقع بين يدي من كتب عن البلاد العجيبة اليابان، وأدهشني الأدب الياباني من كواباتا مروراً بكنزابورو أوي وميشيما، وانتهاءً بأشيغورا وموراكامي . شعب يكتب بحروف...
علي حسين

قناديل: مائدة طعامك التي تقرأ مستقبل العالم

 لطفية الدليمي علّمتْنا تجاربُ كثيرة في الحياة أنّ الأمثلة الشاخصة أكثر تأثيراً في مفاعيلها من المقولات المجرّدة. كلّما نظرتُ في مصدر الطعام الموضوع على مائدتي غمرَني إحساسٌ بأنّ هذا الطعام يمكنُ أن يكون...
لطفية الدليمي

قناطر: هل الثقافة مكملات غذائية ؟

طالب عبد العزيز في العودة الى قضية الجوائز الأدبية بالعراق والوطن العربي نجد أنّها لم تتبلور في قيمتها على المستوى الشعبي، فلا يُشار لأصحابها بالأهمية، ولا نجد لها دوراً في صنع الثقافة، على خلاف...
طالب عبد العزيز

العدالة الدولية تحت المطرقة

حسن الجنابي (الجزء- 3) كان الأمريكان والدول الغربية في غاية الرضا عن الدور الذي كانت تؤديه محكمة الجنايات الدولية (ICC). فقد نشطت المحكمة في ملاحقة بعض الجرائم الدولية، ومنها جرائم بعض القادة الصرب في...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram