TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: اللغة العربية: عسرالمنهج وعقم الوسيلة

قناديل: اللغة العربية: عسرالمنهج وعقم الوسيلة

نشر في: 27 إبريل, 2019: 12:00 ص

 لطفية الدليمي

انتشرت منذ عقود بعيدة في أوساطنا العربية حملات رسمية وأكاديمية لتيسير اللغة العربية كان هدفها تبسيط القواعد النحوية العربية وتنقيتها من الشوائب والتعابير الملغزة وجعلها قريبة من التداول اليومي العام ، ولربما يذكر بعضنا قصيدة للشاعر ( حافظ إبراهيم ) - وكانت مقررة في مناهج العربية - تنطق بلسان العربية وتنعى حظّها بين أهلها وتجهر بشكواها :
أنا البحر في أحشائه الدرّ كامنٌ
فهل سألوا الغوّاص عن صَدَفاتي
مرّت السنوات و تلاشت تلك الجهود المخلصة لتيسير العربية وأهملت الدعوات ولم نتلمس أي تطوّر في هذا المسعى ، بل إن الأمر أدى الى النقيض إذ حدث تعسيرٌ طال تعليم العربية في المناهج المدرسية وغدت لغتنا الجميلة أقرب إلى مقررات ثقيلة الوطأة يدرسها الطلبة كارهين بهدف اجتياز الإمتحانات لا لتعلم اللغة وإتقانها ؛ وكأن هذه المقررات قد صُمّمت حينها لتوفير مصدر رزق لبعض المدرسين الذين يجدون في الدروس الخصوصية إنقاذاً لبؤس الحال..
غدت تلك المقرّرات منفّرة لتركيزها على شواهد نادرة تستند على آيات قرآنية معقدة التكوين أو شواهد شعرية بمفردات مندثرة لشعراء الجاهلية أو اعتمادها نصوصاً تراثية ذات هيكلية نحوية صعبة ، وقد تناسى واضعو هذه المناهج أنّ الطلبة ليسوا مشاريع مستقبلية لخبراء نحوٍ وصرفٍ وقواعد ؛ بل إن الهدف من تعليم العربية الميسّرة أن يمتلك الطلبة القدرة على التعبير الواضح من غير أخطاء نحوية فاحشة تخدش الــــسمع والبصروالذائقة.
يرى بعض المعنيين اليوم أن لامكان لقواعد العربية المنضبطة نحوياً في هذا المحيط الرقمي المضطرب الذي يجدونه غير متناغم مع المتطلبات النحوية للغة العربية، متناسين أن العربية لغة خارقة الجمال والأناقة ، وأنّ كلّ من يدعو لتقزيمها والتغاضي عن سلامتها النحوية إنّما هو امرؤ قصير النظر يفتقد إلى الشغف وامتلاك الأدوات المطلوبة للتعامل مع العربية فضلاً عن اللغات الأجنبية ،ولابد من إيراد ملاحظة مهمة هنا وهي أنّ كل المترجمين والأساتذة العرب الذين أتقنوا اللغة الإنكليزية أو الفرنسية أو الألمانية فهماً وترجمة ( من أمثال عبد الرحمن بدوي ، زكي نجيب محمود ، لويس عوض ، فؤاد زكريا ، حسام الآلوسي ، جبرا إبراهيم جبرا ، عبد الواحد لؤلؤة ،، الخ ) إنّما هم بالأصل مفتونون بجماليات اللغة العربية وبارعون في فنونها ومسالكها الكثيرة ، وليس هناك حقاً من يتفنّن في ملاعبة لغة أجنبية والإستئناس بها وهو عاجز عن التعامل مع أسرار لغته الأم .
هل هناك سبيل لتجاوز هذه الحالة الموجعة التي تعانيها اللغة العربية وسط أهلها ؟ هذا سؤال لابد من طرحه على المستوى الجمعي بالرغم من وجود قلة من الأشخاص الجادين الذين يعشقون لغتنا الساحرة - قد سعوا من قبل وسيواصلون سعيهم في المستقبل - لتطوير قدراتهم في فنون اللغة العربية على المستوى الشخصي ؛ أما على المستوى الجمعي فأوّل خطوات العلاج لواقع العربية المرير هو تنقية المناهج الدراسية من الملغّزات والأحجيات المعقدة التي تعتمد نادر القواعد وغريبها غير المألوف فيها،ثم استكمال الجهود لإثراء تلك المناهج بقواعد مبسّطة من النحو تدعمها نصوص من الكلاسيكيات المعروفة بثرائها وجماليتها وعمقها المعرفي مثل نصوص أبي حيان التوحيدي وابن حزم الاندلسي والقصائد التي ترهف الحس وتهذب الذائقة وتمجد الحب والحياة بديل نصوص الغزو والثأر والدم والتغني بالأمجاد البائدة بكلمات بائدة ، وحينها ستعرف الأجيال الناشئة والمتطلعة للمستقبل أيّة جواهر مكنونة قد جرى دفنها والتعتيم عليها في بحر العربية الذي لاحدود لكنوزه الساحرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram