اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: نحن شعب طيب .. لكنْ

قناطر: نحن شعب طيب .. لكنْ

نشر في: 29 إبريل, 2019: 12:00 ص

 طالب عبد العزيز

إذا كانت جملة"الدنيا بصرة" التي كان يرددها أشقاؤنا الخليجيون في مناسباتهم الجميلة، هي الدالة على جمال المدينة آنذاك، فإن "الربيع بصرة" السنة هذه، ذلك لأنَّه خرق عادته، حين امتد ببهائه حتى أيام نيسان الأخيرة. أقول هذا وأنا أستعيد بعض كلمات إحدى السيدات البصريات، التي أطلت علينا قبل أيام عبر صفحتها، وهي تتحدث عن قوة وجمال المدينة، وهي تتصدى للذين يتهمون المدينة بالقبح والسوء، ذاهبة الى تقصي معاني الجمال في أكثر من مكان فيها، ولعمري، كانت السيدة هذه تستحق منا أن نخفق لها بسعفات قلوبنا.
نعم، ليست بغداد أسوأ مكان للعيش، كما تصف بعض التقارير الأجنبية، مثلما لن تكون البصرة ومدن الفرات الأوسط وغيرها أمكنة بالوصف ذاك، أبداً، فما فعلته الزيادة في مياه شط العرب ومناطق الأهوار، وما قامت به بعض الدوائر والمؤسسات الحكومية والأهلية لا يستحق الإغفال منا، والأجمل من ذلك كله هو إنساننا، هذا المخلوق الاستثنائي، لو منحته الآلهة نظاماً حاكماً متحضراً لكان الأجمل والله.
ينطوي الانسان العراقي على قدر من جمال الروح، ورقة الطبع، وسخاء اليد والقلب، وحب الخير بما لا يتصوره أحد، ولا أجدني إلا ميالاً لتأكيد هذه. ويمكنني أن القول هنا، بأنه لا توجد بلاد في الأرض يستطيع الإنسان فيها أن يخرج من بيته، وبغيته اقصى نقطة فيها، دون أن يفكر بحاجته الى المال والطعام والثياب والسكن إلا في العراق، وهذه فرادة ما بعدها فرادة، فالمأوى والطعام والمال والثياب قوام حياة الانسان في أيّ أرض، وأنا لا أذهب الى العارض والاستثناء، حيث لا أعدم من يقول لي: وماذا عن حوادث القتل والتسليب والقهر والنزاعات العشائرية وو؟ أبداً، إنما أتحدث عن الأصل والجوهر، وليكن ثيسجر في كتابه( عرب الاهوار) قاعدة بيانات لنا، فهو الذي عاش هناك، وخالط الناس، وأحب طباعهم، ولمس عن قرب مكامن الطيبة والعفوية والكرم فيهم، ونقل الصورة البهية الجميلة، التي تختلف عن الصورة التي ترسم لهم اليوم.
تقسو الطبيعة أحياناً فيستجيب الإنسان لندائها الوحشي، وتحنو فيستجيب فتتغير طباعه، وهذه معادلة يصحُّ تطبيقها في مدن الجنوب بخاصة. توحشَ إنسان الأهوار وغلظَ طبعُه، حين عمدت الحكومة الى تجفيف محيطه المائي، ومضايقته في مسكنه ومصدر رزقه، فخرج باحثاً عن حياته التي فقدها، وما بالكم بالذي يفقد حياته؟ كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء عن القرية، قلت له : ليس في البصرة قرية تذكر اليوم. ولم يعد في البصرة ريف، أتعلم حكومتنا ماذا يعني أن لا قرية في البصرة؟ أن لا ريف فيها، هاتان المفردتان الجميلتان خرجتا من قاموس حياة البصريين تماماً، ذهب الجنوب البصري بكل بهائه وعذوبته وجماله، صار نسياً في التاريخ ومعه ذهبت طباع وعادات وحكايات، عالم من الألفة والأناقة ذهب الى غير رجعة، أتعلم الحكومة ماذا سينتج عن ذلك؟
يعمل غباء الحكومة على تفتيش البيوت والبحث عن السلاح وتهديد الناس وسجنهم لكنها لم تفكر بما أوصل الناس الى الحال هذه، ومن كان يقف وراء النزاعات العشائرية والتناحر بين الطوائف، فيما الحلول بسيطة جداً: نحن شعب زاهد في حاجاته، لذا نقول: أعيدوا للطبيعة أوضاعها حيث كانت، أحرقوا المناهج السيئة، التي تؤسس للطائفية والشحناء، أبعدوا الدين بفهمكم القذر له، أمّنوا للناس طعامهم الكريم عبر الوظائف المناسبة، ألجموا الأئمة والخطباء عن قول السوء، أحرقوا كتب التاريخ التي تحدثنا عن أفضلية فلان على فلان، وأكثروا من آلات الموسيقى وألوان الرسم وكتب الشعر والخير والنماء في رياض الأطفال والمدارس والجامعات وأفعلوا أشياء مثل هذه وتلك، تجعلوا من شعبنا أجمل الشعوب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram