ترجمة : المدى
عن مجلة لوبوا الفرنسية
يعتقد الكثيرون إنه توفي..ولكن ، وبعد شهر من سقوط باغوز – آخر مدينة كانت تحت سيطرة داعش – والذي يسجل النهاية الرسمية ل " الخلافة" التي اعلنتها الجماعة الجهادية ، يعود زعيمها ابو بكر البغدادي ليولد من الرماد فيظهر جالسا في خيمة وبجانبه بندقية كلاشنكوف ليحتفل بالهجمات التي تبنتها داعش والتي أفجعت سريلانكا في الحادي والعشرين من نيسان الفائت ..
فبعد خمس سنوات من ظهوره الأول في حزيران عام 2014 على منبر جامع الموصل الكبير حيث أعلن عن إنشاء الخلافة ودعا المسلمين في جميع أنحاء العالم للانضمام إليه ، يؤكد البغدادي على مصداقية وجوده عبر شريط الفيديو الذي بثته وكالة داعش الدعائية محذراً من انتقام منظمته لمقتل أعضائها ومشدداً على أن المعركة ضد الغرب هي " معركة طويلة" ...
في مقابلة مع أجرتها مجلة لوبوا الفرنسية ، حلل الباحث والمستشار في القضايا الاسلامية رومان كاييه المعنى الكامن خلف عودة "خليفة الارهاب " ونتائجها ..فهو لم يكن متفاجئاً من عودة البغدادي لأنه – أي البغدادي – قادر على البقاء على قيد الحياة طالما لايكون ناشطا على الخط الأمامي للقتال بل كان مختبئاً ، فكل مايحتاجه لذلك هو خدمات لوجستية جيدة وخدمات فعالة لمكافحة التجسس ، مشيراً الى أن أسامة بن لادن كان قد أرسل العديد من مقاطع الفيديو من منزله من الباكستان ، وينطبق الأمر ذاته على أيمن الظواهري – الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة – والذي يعتقد إنه في باكستان أيضاً ..
وعن سؤاله فيما إذا كان أبو بكر البغدادي لازال في سوريا نظرا لظهوره في خيمة ، قال كاييه إن البغدادي موجود في سوريا – وفقاً للباحث هشام الهاشمي المقرب من أجهزة المخابرات العراقية – وهو موجود في صحراء البادية تحديداً بين مدينة تدمر والحدود العراقية ، ولهذا اطلق على البغدادي منذ تلك الفترة " خليفة الصحراء " والدليل الذي يستند إليه الهاشمي هو وفاة أحد أبناء البغدادي هناك منذ حوالي ستة أشهر ، كما إنها المنطقة التي تنشط فيها داعش وتقوم بعمليات ضد الجيش السوري ..
أما لدى سؤاله عن سبب عدم عثور قوات التحالف على البغدادي أثناء استعادة مدينة باغوز قال كاييه إنه لايعرف زعيماً أو جماعة إرهابية أو دكتاتوراً كان قد تم اعتقاله مباشرة لدى سقوط آخر معاقله ، والتاريخ الحديث يثبت ذلك فهم ينجحون في كل مرة بالفرار بفضل الشبكات التي يتعاملون معها وهذا ماحدث لأسامة بن لادن الذي تمكن من مغادرة كهوف تورا بورا الى باكستان ، كما سبق لمعمر القذافي أن تمكن من مغادرة معقله في سرت ، فكيف بالبغدادي الذي لايزال يعتبر نفسه قائداً للمؤمنين ..
أما عن هجوم سيريلانكا وإن كانت داعش تحاول استعادة عافيتها بعد سقوط الخلافة بتوجيه ضرباتها الى جنوب شرقي آسيا ، فيرى بأن هذا الهجوم لايمثل ستراتيجية محلية ، فعندما تشكلت الدولة الاسلامية في العراق قبل الحرب في سوريا بفترة طويلة ، كانت منظمة محلية للغاية ، على العكس من تنظيم القاعدة الذي كان جماعة عالمية ..، وبعد إعلان الخلافة على ظهور الخيل مابين سوريا والعراق ، أعادت داعش تنظيم نفسها واحتلت مكان القاعدة لذا فان هجمات سريلانكا اليوم قد تتكرر غداً في افريقيا بعد إضعاف القاعدة في بلاد المغرب الأسلامي أو في اليمن – التي تشكل مسرح حرب دموية منذ أربع سنوات – وكل هذا يشكل جزءاً من أجندة داعش ..
ولدى سؤاله إن كانت داعش فقدت العديد من أتباعها في العالم بعد سقوط الخلافة ، قال بأن نهاية الخلافة أثبطت همم الذين أرادوا العيش جسدياً في الدولة الاسلامية وليس اولئك الذين يتمسكون بمفهوم الخلافة على إنه توحيد المسلمين حول زعيم روحي ، وفي شريط الفيديو الخاص به ، اعتبر البغدادي نفسه قائدا للمؤمنين داعياً المسلمين في جميع أنحاء العالم والجهاديين خصوصاً الى الولاء له ..وفي اللاهوت الإسلامي ، يشكل مفهوم الخلافة قوة زمنية وروحية أيضاً ، وعلى سبيل المثال ، عندما سقطت الدولة العباسية في عام 1258 ، فر الناجون منها الى مصر حيث تم استقبالهم بترحاب من قبل السلاطين المماليك ..لذا فإن فقدان الخليفة لقوته الزمنية لايعني فقدانه لقوته الروحية خاصة وإن أغلب الجهاديين الشباب يتمسكون اليوم بالدولة الإسلامية وليس بتنظيم القاعدة لأن خطاب داعش أكثر تطرفاً وعنفاً وعولمة بعيداً عن أية براغماتية ..
وعن امكانية ظهور داعش في العراق أو سوريا ، قال كاييه ، إنه كان من المعتقد أن يبقى تنظيم داعش في العراق – حيث ولد وحيث تنتمي المنظمة الى المشهد القبلي – لكن العديد من أنصاره استقروا في معسكرات او رفضهم السكان ، وهذا ممكن ، في ظل عودة الدولة العراقية وانتفاء منطق التفاوض مع القبائل , ومع ذلك , يمكن اعتبار داعش هي الأفضل بالنسبة لبعض القبائل في دور الزور , ذلك أن الجهاديين يجدون هذه القبائل قريبة من اداءهم ومن ثقافتهم ، لذا سارعت داعش الى رعاية الأطفال السوريين لتجنيدهم والى المحافظة على انصارها والتفاوض مع زعماء القبائل على اطلاق سراح الجهاديين فإذا لم يعد الاستقرار الى المنطقة ، ستبقى داعش تتصدر المشهد هناك ..أما عن احتمال قيامها بهجمات ضد الغرب فيرى كاييه أن سنوات مرّت ولم تستطع فيها داعش أن تشن هجمات واسعة النطاق في الغرب فهي ليست منظم للهجمات التي وقعت في سيرلانكا – على سبيل المثال – بل كانت استجابة لنداءات التنظيم لضرب جميع انحاء العالم ، والآن لايزال خطر الهجمات التي تدعو إليها داعش كبيراً ، خاصة وإنها تدعو للانتقام لخسارة باغوز والرد على ضربات التحالف ضد اراضيها ..وفيما يخص الجزائر فيمكن لداعش أن تستفيد من الانتفاضات الشعبية التي سادت هزتها فهي قادرة على أن تعمل في أي مكان تسوده الفوضى ، وهي موجودة بالفعل في الجزائر – البلد الذي يمتلك بنى جهادية منذ سنوات عديدة – والذي قد يمكنه الاستفادة منها عندما يحين الوقت ..وبشكل عام ، فإن اختفاء الدولة أو إضعافها يعطي مجالاً أكبر للجهاديين وينطبق هذا الأمر اليوم على السودان وعلى نيجيريا حيث توجد منظمة بوكو حرام التابعة لتنظيم داعش ..