طالب عبد العزيز
أكثر من ثلاثة أيام امضيتها صحبة صديقين بصريين في محافظة كيلان، زرنا فيها مدن جالوس ورامسر ورشت ولاهيجان وقرى وقصبات صغيرة، في رحلة كانت الأجمل، هذه الطبيعة باهرة الجمال، حيث البحر (خزر) قريب يجاور البوليفار، الذي يمتد مع سلسلة الجبال العالية، المغطاة بالشجر والثلج ما تزال. الطريق طويلة، تصل جالوس بمدينة مشهد، أقصى الشمال الأيراني، في خضرة وماء وريح عاطرة، يزيدها الإنسان البسيط، هادئ الطبع، عالي التهذيب جمالاً ومباهج ومسرات.
ما كنت أحسب أن أشجار الحمضيات تزهر كلها في آن وتضوع بهذا العطر الزكي، الذي اتنسمه حيث ما اكون، في سيارة الاجرة والمطعم والشارع، وتأتيك رائحته من النافذة المجاورة أو تباغتك في الرصيف وجوار محل البقالة ومصعد الفندق وفي ثياب النسوة الذاهبات الى المدرسة والسوق. أنا لا أقدم إعلاناً سياحياً للمكان، لكنْ ما يلزمني بالحديث عنه هو الانسان قبل أي شيئ.
يقول سيد رضا حسيني، سائق السيارة التي أخذتنا من مدينة رامسر الى مدينة لاهيجان، بأنه رجل من مازندران، وقد نجد بين قومه، هناك، من يكذب ويغش، لكنك لن تجد بين أهل لاهيجان من يغشك ويخدعك ويكذبك، قال ذلك بعد أن حدثناه بحديث سائقنا(عادل) الذي جاء بنا من طهران الى جالوس، والذي يؤسفني بأنه أساء في تعالمه معنا. كان رجلاً من عرب الأهواز، أقام بين طهران وجالوس طويلاً، لكنه لم يتخلص بعد من عقدته في أخلاقه وتعامله، ولسنا هنا في باب فضل العرب على العجم، برواية الجاحظ، فالأمر يقع خارج الحدود هذه.
بدا لنا بأن الطبيعة الجميلة والرغد في العيش والنظام الاجتماعي الحسن أشياء تفرض على الإنسان نسقاً حياتياً جميلاً ، خلاصته الخلق الحسن واللطف والصدق، بعيداً عن مؤثر الايدولوجيا. ظل سيد رضا الحسيني، وهو من أصول عربية، بحسب قوله يحدثنا عن الشاي في مدينة لاهيجان وعن الرز الذي يزرع في رشت وعن جمال بحر الخزر وغيرها، ولما بلغنا مدينة جميلة أخرى، سمّاها (شيرود سر) قال بان المدينة سميت على اسم أحد الشهداء الطيارين(شيرود) الذي سقطت طائرته فوق جبال كردستان في الحرب مع العراق، ثم سألنا ما إذا كنا نسمي المدن باسماء الشهداء أيضاً، وعن معاني الشهادة وتفاصيل بهذا الخصوص، فاجبناه بنعم.
لكنَّ، حكومتنا لا تسمي كل من يسقط دفاعاً عن الوطن شهيداً، فهي تسمي بعضهم وتترك غيرهم بحسب مزاجها، بل هي تجد في الجنود الذين قتلوا في حرب السنوات الثمانية غير ذلك، فتعجب، قائلاً، هنا، في ايران، نحن نسمي كل من يسقط دفاعاً عن إيران شهيداً. الوطن شيئ والسياسة والدين شيئ آخر، وكل من يقتل دفاعا عن بيته وأهله فهو شهيد، ويحظى بالكرامة والقداسة عند اهله وفي مجتمعه.
ما أردت أن أقول له بأنَّ أخي الذي سقط شهيداً في حرب الأعوام الثمانية، التي قامت بين إيران والعراق، لم يدع شهيداً في أدبيات الشهادة لدى الحكومة عندنا اليوم،وان بعض المسؤولين فيها يتحفظون على كلمة شهيد، لعلمي بأنَّ ذلك لن ينفعني بشيئ، فقداكتفيت بصراحته ولطفه عنوانا له، كانت رائحة قداح الليمون والنارج تخترق نافذة السيارة قبل توقفها عند باب فندق (جهانكردي لاهيجان) الجميل ببحيرته العريضة، التي ما انفكت النسوة الجميلات يسرعن باتجاهها.