إياد الصالحي
ابتلي العراق منذ يوم التغيير الشامل في جميع مؤسسات الدولة الرسمية عام 2003 بنظام محاصصة أقل ما يوصف بأنه ظالِم لكل شرائح المجتمع العراقي، وعادِم لمستقبل مئات الكفاءات التي اضطرّت إما للهروب بجلودها تاركة تاريخاً مخضّباً بعرق الحرص على بناء الوطن، أو الانزواء في بيوتها ماسحة دموع القهر لما أصابها من تهميش وإنكفاء، فيما ينتشي الجهلة بأخيلة المطامع لتسلّق المواقع العليا بلا استحقاق!
لسنا هنا بوارد رمي الدلو في بئر فارغ، فالدفاع عن أية كفاءة عراقية في هذا الزمن القبيح بسلوكيات مغتصبي المناصب هو مسؤولية أخلاقية ورسالة أبعد من حدود التضامن وما تحتّمه اعراف المواطنة ضمن مفهوم شركاء الوطن لا المصالح.
وزارة الشباب والرياضة، واحدة من أهم الوزارات الفاعلة في حراك المجتمع، استقطبت عشرات أصحاب الشهادات في تخصّصات عدّة منها الهندسية والقانونية والإدارية والإعلامية، وتركت حُقب الوزراء المتعاقبين على حَمل حقيبتها آراء متباينة، قلّة قيّموها بموضوعية، فيما الأعمّ انطلق من منصّة تأثير الحب والكره، لكن جميع الانتقادات اجتمعت على نقطة استبدال العناصر الكفوءة وفقاً لـ "قواعد الشطرنج" التي استهوت اصحاب القرار دون النظر إلى خدمات الشخص وحجم التضحيات التي قدّمها مهنية وخلقاً ووفاء.
وإذا كان الدفاع عن أي موظف واجب انساني لردّ الظلم عنه، فالدفاع عن امرأة فاضلة وزميلة مهنة ومواطنة مخلصة لا تحتمي تحت مظلّة حزب مؤيد أو معارض للتشكيل الحكومي ولا يسند كرسيّها ظهر قوي يتوعّد من يقترب منها أو يحذّر مسّ موقعها، فهذا شرف كبير بدافع إحقاق الحق والمحافظة على قيمة علمية وخبرة متراكمة بفعل تجارب عصيبة وتحدّيات بالغة الخطورة.
في عام 2006، نالت الدكتورة عاصفة موسى شهادتها بإنجاز أطروحة "الصحافة العراقية وقيم المجتمع المدني" وباشرت بمنصب مديرة إعلام وزارة الشباب والرياضة في الثاني من كانون الثاني ٢٠٠٨، ولفتت الأنظار بجهدها السخي وتعاونها مع جميع وسائل الإعلام لتذليل العقبات عن تحقيقات بشؤون العمل الوزاري برغم الظروف الصعبة التي شهدتها تلك الحقبة، وأبواب المفاجآت كانت مشرعة لأي حدث ربما تدفع ثمنه نتيجة تشابك القوى طمعاً بعقد مشروع بمئات مليارات الدنانير أو شكاوى قضائية بسبب عدم شرعية أندية بعينها أو حجب المُنح الحكومية عن غير المستحقين وما تولّده هذه المواقف من ضغائن تضع أبرز العاملين في الوزارة في مواجهة مخاطر لا حصر لها.
ولعل من بين ما قدمته عاصفة في تلك الفترة نجاحها ضمن وفد الوزارة بالكشف عن تصميم مشروع مدينة البصرة الرياضية أول مرة في مؤتمر صحفي على هامش كأس الخليج 19 في العاصمة العُمانية التي غطّتها (المدى) بوفد ضم كاتب السطور ومعه الزميل حيدر مدلول، ودفاعها الشجاع بحكم عملها لردّ الحملات المغرضة، وغيرها من المواقف الإنسانية التي كان ديدن عملها في قسم الإعلام بالوزارة.
مع استيزار عبدالحسين عبطان، باشرت عاصفة العمل في شباط عام ٢٠١٦ بمنصب معاون مدير عام دائرة العلاقات والتعاون الدولي، وبعد ستة أشهر شغلت وظيفة مدير عام الدراسات وتطوير الملاكات والقيادات الشبابية، وبعد تولي الدكتور أحمد رياض مسؤوليته تم إعفاء عاصفة في الخامس من أيار الحالي لتوكل اليها مهام معاون مدير عام دائرة التنسيق بصفة مؤقتة ربما تجد نفسها بعد فترة في تخصّص آخر تقذفها إليه آلية عمل الوزير أو الوكيل المعني.
خلال مدة عمل عاصفة في الوزارة ناقشت ست رسائل ماجستير، وأشرفت على عشرات البحوث والدراسات الميدانية، وآخر منجز لها هو افتتاح المكتبة المركزية لوزارة الشباب والرياضة عشية الإعفاء المُريب، لتخسر الوزارة وهج عطاء امرأة مثابرة أبعدت قسرياً عن مجال تخصّصها الرئيسي "الإعلام" ومن ثم ضيّق الخناق عليها بمهمة لا طريق لها في نهايتها سوى الباب الخلفي للوزارة كنتيجة حتمية لأجواء العمل وانتقاء المرشحين السائدين حالياً.
يا وزير الرياضة، ليس من حق أحد أن يقتحم خصوصيات التعامل مع حركة الملاك في وزارتكم، هذا شأنكم وأنتم أعلم بمؤهلات المرشحين الجُدد، لكنك تعلم أن كثير من الرياضيين استبشروا بقدومك كشخص رياضي لا تؤمن بأنصبة الكعكات التي ابتدعها طلاب المناصب والمنتفعين ممّن لم يخجلوا من المجاهرة بها أمام شاشات التلفاز، أقطع الشك وفنّد شبهات المحاصصة داخل الوزارة واعط استحقاق الدكتورة عاصفة موسى وغيرها من العناصر الكفوءة التي لن تشكو الظلم لغير خالقها، فالمرأة فاضلة في الخلق والمهنية ومناضلة بتحدي الإرهاب في أخطر بلوات الوطن!