طالب عبد العزيز
أجد أن جملة (الناس على دين ملوكهم) أدق في التعبير من مقولة ( حيثما تكونوا يولّى عليكم) إذ ليس هناك شعب حقير وجبان وشرير.. مثلما ليس هناك شعب آخر نزيه وأمين ومثالي.. في علم الاجتماع، على حدِّ علمي، وما تحدثت عنه النائبة هيفاء الأمين بحق أهل الجنوب لا جناية لها ولهم به. إذا كانوا أشراراً وقبحاء فتلك جناية الحاكمين وإدارتهم السيئة، وإذا كانوا أمناء وطيبين فهي نتيجة طبيعية لإدارة ناجحة، وهكذا تخلق الشعب الكامل مثلما تخلق المسؤول الكامل ايضاً.
بحكم بديهي، هناك ربُّ أسرة ناجح وآخر فاشل، وبمثل هذه وتلك، تُقرأ وتتحقق النتائج، وما نلمسه من خراب في نفوسنا، وقذارة في مدننا، وسوء في علاقاتنا كان نتيجة حتمية لتعاقب السلطات الفاشلة، التي تدير شؤون حياتنا، ومن يقارن أوضاعنا بأوضاع الشعوب الأخرى، وفي العالم المتمدن، عليه أن يبحث في القوانين والأفكار والإدارات الناجحة، التي خلقت النماذج هناك، ولا يلقي باللائمة على شعبنا، الذي جُرّدَ من من أفكاره وتطلعاته في الحياة الحرة الكريمة، وأُشغل بكل خرافة وزيف، حتى بات لا يملك من شأن نفسه شيئاً، بل أدخل في منظومة القبح الحاكمة، مستغلين جهله وانحرافه عن جادة الصواب.
إذا كان علي عبد الرازق في (أصول الحكم) قد قطع بعدم وجود للدولة الدينية، فإن التجارب القائمة في السعودية وإيران وتجربة سَنَةِ (الإخوان المسلمين) في مصر، بالإضافة الى التجربة الإسلامية العراقية خلال عقد ونصف، تؤكد بيقين واضح على أن قيامة الدولة الدينية في أي بلاد أساس كل فشل سياسي، وأيقونة لكل حكم سيئ. ولا ننصح بذكر التجارب في دول جنوب شرق آسيا الإسلامية، فهي موضوع مختلف بالكامل. ومن يبحث في أسباب تخلفنا وتراجع أوضاعنا في الاقتصاد والأمن والمجتمع سيتوصل الى يقين كلي مفاده أن الحاكم المسلم، أو الذي يتخذ من الدين وسيلة لحكمه، هو من يقف وراء ذلك.
ليس من الإنصاف أننا نلقي باللائمة على سلوك بعض أبناء الجنوب في حياتهم اليومية، وعلى تراكم النفايات التي في مدنهم او استخدامهم السلاح في خلافاتهم العشائرية، إنما السؤال هنا، هو لماذا هم هكذا؟ أو لماذا لا يقوم المواطن بجمع النفايات التي أمام داره؟ ولماذا يتسيب ابنه من المدرسة؟ ومن يقف وراء قبوله في تراجعه وسلوكه؟ كذلك، علينا أن نبحث في سلوك المسؤول السياسي، صاحب المنصب الرفيع في الدولة او في البرلمان، ذلك لأنه لم يأت من المريخ، كما يقال، هو واحد بيننا، وهو نتيجة أكيدة لمجتمع مأزوم. الخيانة في التعبير تفضح المسؤول، وتكشف عن منظومة أخرى من الخراب، والأزمة في إيجاد كمالها لا تختلف عن الأزمة في إيجاد المواطن الكامل، لذا فهما يتساوقان معاً. ولتكن النائبة هيفاء الأمين مثالاً هنا (... أعتقد أنها غير مدرّبة سياسياً ولغوياً على نحو جيد) بحسب توصيف المعلّم (سهيل سامي نادر).