TOP

جريدة المدى > ملحق اوراق > افاق:الكتابة عن المكان العراقي

افاق:الكتابة عن المكان العراقي

نشر في: 1 مايو, 2010: 04:23 م

سعد محمد رحيمتنشط اليوم، عند بعضنا، كتابة مغايرة عن المكان العراقي.. يقدم كتّاب عراقيون عديدون على ولوج هذا المجال الخصب الذي ظل مهملاً لزمن طويل؛ وهو مجال  حافل بوعود الاكتشاف ومُتعه.ليس المقصود بالكتابة عن المكان الكتابة عن تاريخ المكان، أو تاريخ الحدث الإنساني، السياسي والاجتماعي، في المكان؛
 ( تاريخ بغداد، تاريخ البصرة، تاريخ الموصل، في سبيل المثال ). ولا حتى عن جغرافية المكان؛ ( معالمه وتضاريسه ومناخه وعمرانه ). فهذا النوع من الكتابة شاع منذ زمن بعيد. وله كتّابه وقراؤه، وله أهميته المعرفية والأدبية قطعاً. لكن ما يعنينا، ها هنا، هو الكتابة عن روح المكان ونبضه وسحره.. المكان وهو يؤسس بيت الذاكرة ويؤثثه.. المكان المسكون بالإنسان؛ ما تركه الإنسان من ذاته بين تضاعيف وزوايا المكان مما لا يراه أو يحس به سواه. وإلى أن تنعكس العلاقة/ المعادلة فنقول؛ الإنسان المسكون بالمكان. وطالما اعتقدت أن هذا يمثل شرطاً ضرورياً أول لأية كتابة جيدة.   تعرّض المكان العراقي ، في غضون عقود قليلة، إلى تخريب دراماتيكي نتيجة قصر النظر والغباء أحياناً، وبدوافع مقصودة أحياناً أخرى. وكانت كل حالة تخريب تخلِّف ألماً في الروح التي تسكنها، وضغطاً جارحاً على الذاكرة. وقد حاول المبدع العراقي استعادة ملامح وإيقاع وروح الأمكنة الزائلة في اللوحة التشكيلية والقطعة الموسيقية والنص الشعري والسردي كرد فعل بنّاء على عمليات التخريب تلك.   بعد انعطافة عام 2003 انتعشت الكتابة عن المكان العراقي. وهي في معظمها كتابات ذات صبغة ذاتية شاعرية تستحضر أسرار علاقات حميمة بين المبدعين والأمكنة. وقد أنشأت لطفية الدليمي مجلة مميزة بهذا الصدد أسمتها ( هلا ) توقف صدورها بعد بضعة أعداد لأسباب منها الضائقة المالية وتدهور الوضع الأمني في العام 2007. وأصدر سليم مطر ونصرت مردان مجلة ( موزوبوتاميا ) في هولندا ارتأيا أن تقتصر موضوعاتها على كل ما يخص البيئة العراقية وهويتها ومن ضمنها المكان العراقي. وفيما بعد ( 2009 ) حرر لؤي حمزة عباس كتاباً عنونه بـ ( المكان العراقي؛ جدل الكتابة والتجربة ) جمع فيه نصوصاً لكتّاب عراقيين يعيدون فيها إنتاج هوامش من تاريخهم الاجتماعي والشخصي وتجربتهم مع أمكنتهم الراحلة. ولا تكتمل قراءة النصوص تلك من غير قراءة المقدمة الطويلة نسبياً التي طرح فيها لؤي، بفطنة وعمق، رؤيته عن المكان العراقي في جدله مع رؤى وانطباعات وتجارب الحياة فيه والكتابة عنه.    وكانت تجربة كتابة ( بصرياثا/ صدرت في 1993 ) لمحمد خضير تدشيناً إبداعياً لنمط كتابي فريد سرعان ما أغرى آخرين لمحاكاته. فقد استطاع الكاتب نسج فسيفساء حكائية مبهرة عناصرها وقائع تاريخ وأساطير وأحداث معاصرة وأحلام ومرويات مثلومة وأخرى مرممة وصور متخيلة. وعبر رؤية مشحونة بإيحاءات ورموز ودلالات لا يحدّها حد. وأنا شخصياً قرأت الكتاب بعدّه سرداً فنياً متقناً، وعملاً من أعمال الفكر الخلاّق.  إن الحضارة في أجلى معانيها هي صناعة أمكنة مؤنسنة. والأمكنة هي أمكنتنا نحن..هي الأرحام والحاضنات التي ابتكرتنا وأنشأتنا ومنحتنا هويتنا.. فنحن من غيرها ذوات هائمة على حافة العدم. وهي ما كان لها أن توجد قط من غيرنا.. نحن الذين أعطيناها صبغتها وحضورها في مقابل أن تعطينا الشيء الكثير من معنى وجودنا.. وكان خضير الزيدي مصيباً ولمّاحاً وهو يقدم لنا كتابه الأخير عن أمكنته الأثيرة في الناصرية بعنوان؛ ( أمكنة تدعى نحن ).   أنظر إلى مكانك ( أو أقرأ ما كتبته عنه ) فأقول لك من أنت. وإذا كانت أمكنتنا آيلة إلى الاندثار، فجزء من ذواتنا وتاريخنا ماضٍ، إذن، نحو التبدد.. فلنكتب عن أمكنتنا قبل أن تتخطفها نوازل الزمان وتغيراته. وقبل أن يلفّها ويلفّنا النسيان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

لكن الفكرة المركزية التي سيطرت على دستويفسكي كانت الله والذي تبحث عنه شخصياته دائما من خلال الأخطاء المؤلمة والإذلال.يقول دستويفسكي على لسان الأمير فالكوفسكي في رواية مذلون مهانون (.... لكنك شاعر ,وأنا إنسان فان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram