علي حسين
تنقل لنا الأخبار، بين الحين والآخر، عدداً من البشارات أبرزها وأهمها بالنسبة لهذا الشعب الذي لاينام دون أن يضع صور زعمائه "الأجلّاء" تحت المخدة، أنّ قادة النصر ودولة القانون سيتصالحان بعد خصام "مرير"، وسيلتقطان قريباً صورة فوتوغرافيّة تتصدر الفضائيات، في الوقت الذي يسخر فيه المواطن العراقي من الإمبراطورية البريطانية الاستعمارية، لأن مصيرها سيصبح مثل مصير الصومال بسبب "هواية" الاستقالة التي يتباهى بها رؤساء الوزراء البريطانيون. فقبل ثلاثة أعوام استقال ديفيد كاميرون لأن الشعب يريد الخروج من الاتحاد الأوروبي. ويوم أمس خرجت علينا رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، دامعة العينين لتقدم استقالتها من منصبها واعتزالها السياسة، ولتخبرنا أن مصلحة بلادها تقتضي وجود رئيس وزراء جديد، وانها برغم استقالتها تشعر بالفخر لكونها حازت على فرصة خدمة البلد الذي تحبه.
تخيلوا امرأة تبكي وتقدم استقالتها في وقت "عصيب"، يحتاج منها أن تُمسك بالكرسي بيديها وقدميها، لكنها ياسادة "قِلّة" خبرة، وضعف في "الإيمان" بأن الشعب لايطاع له أمرُ، وغياب لمبدأ "ما ننطيها ".
خاض زعماؤنا "الملهمون" حروبهم الطائفية من كلّ نوع ولون، وفي كلّ اتجاه، سلّموا المدن لداعش، احتلوا المؤسسات الحكوميّة، أبادوا مدنيّة الدولة، طاردوا الكفاءات، وضعونا على سلّم البؤس، أدخلونا موسوعة غينيس في عدد الشهداء والمهجّرين. وبعد كل موجة خراب نجدهم يجلسون ويتضاحكون ويقررون التقاط صورة فوتوغرافية، لكي يطمئن الشعب أنْ لاسبيل أمامه سوى الإذعان لصوت "الزعماء الملهمين"، وفي كلّ مرة كانت الناس تبتسم بسعادة وتذهب الى صناديق الاقتراع لتنتخب "جماعتها."
بالأمس خرجت علينا صفحات الفيسبوك ومعها تحليلات "الخبراء" لتقارن بين السيدة الباكية تيريزا ماي، ورجال "النهضة" العراقية، وكيف أن رئيسة وزراء بريطانيا لم تنتظر شماتة الخصوم بها، فقررت أن تقدّم استقالتها وتعتزل السياسة، ونسيَ، أو تناسى، محلّلونا الأفاضل أنّ تيريزا ماي موظفة وليست مجاهدة، وهي تنتمي الى مؤسسات ديمقراطية ، وليست اقطاعيات يفصلها رؤساء الاحزاب على مقاساتهم ، وانها حالها حال ملايين الذين يحالون على التقاعد ، بينما ساستنا " الافاضل " مكلّفون شرعياً بالحكم مثلما أخبرنا ذات يوم خضير الخزاعي. الشعب البريطاني الذي جعل تيريزا ماي أمس تذرف دموعها أمام الفضائيات، سبق أن أسقط بالقاضية مارغريت ثاتشر أقوى رئيسة وزراء في تاريخ بريطانيا ، برغم انتصارها المدوّي في مجال الاقتصاد والازدهار .
ما يهمني في الخبر البريطاني ليست الدموع التي ذرفتها تريزا ماي ، وانما اصرار ساستنا ان الكرسي اهم وأبقى من الوطن .
السيدة تريزا ماي، أرجوك أن تحدِّثي زعماءنا الملهمين عن الوطنية ، ذكِّريهم باللوطنية ، عسى أن يعرفوا أن المنصب وظيفة ، وليس هبة من السماء .