محمد العبيدي
المتابع لمجريات الأزمة الحالية التي يعيشها الوسط الرياضي في العراق والمتمثلة بتدهور العلاقة بين وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية الوطنية وتبعاتها وأيضاً أزمات اتحاد الكرة المتكرّرة وآخرها ملفّات محكمة كاس الدولية التي تنتظر البتّ في قرار يخص انتخابات الاتحاد وما رافقها من ملابسات نهاية الأسبوع الحالي.
هذه الأحداث وغيرها كانت وما تزال مصدر مادة دسمة للإعلام الرياضي بشكل عام، ولعلّ الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي غصّتْ بالعشرات من المتابعات الإعلامية، والبرامج الحوارية، والتغطيات بكافة انواعها، وصلت في أحيان كثيرة الى حدّ الإسفاف والمجاملات والتصرّف بإملاءات ومحاباة وانحياز لطرف على حساب آخر بشكل واضح لا يليق بمكانة الإعلام الرياضي العراقي الرصين ولا بأخلاقيات المهنة ومبادئها بالمرّة.
لا اقصد هنا تقمّص شخصية المُرشد، وبعيداً عن صيغة التنظير التي قد يفسّرها البعض واهماً، وإنما يحتّمْ الواجب المهني والانتماء الوطني والشعور بالمسؤولية أن تكون هناك وقفة ورأي حازمين أزاء الحالة التي يعيشها الإعلام الرياضي العراقي بسبب الانقسام الواضح بالرؤى والتحليل في أعقاب التقاطعات التي حدثت بين الوزارة والأولمبية أو بين مؤيدي اتحاد كرة القدم ومعارضيه وغيرها من الأحداث والمناسبات.
لا يخفى على الجميع دور الإعلام وواجباته ومسؤولياته وأهميته العظيمة في المجتمع والرأي العام, وفنون السلطة الرابعة تتيح لمن يتصدّى لمهنة المتاعب أن يلعب الدور المطلوب منه بالطريقة المؤدّية الى كشف وتقصّي الحقائق واعتماد مصادر الخبر والتحرّي والاستقصاء واعتماد قنوات تسريب المعلومات بهدف التصحيح والتقويم وإحقاق الحق.
المؤسف في المشهد العراقي في السنوات الأخيرة، وبات أكثر وضوحاً اليوم هو ضمور الهوية الإعلامية الحقيقية ودخول عدد من الإعلاميين في مسارات أبتعدت في أحيان كثيرة عن المهنية.
نعم الحوار التلفازي ومتابعة أخبار الفوز والخسارة والتصريحات الإعلامية للمسؤولين والرياضيين أمر مهم وأساس، لكنه في الواقع يمثل ألف باء العمل الإعلامي المهم في هذا المجال هو كیف یمكن أن یؤثر الإعلام ویُسهم في ازدهار الأفراد والمؤسسات من خلال إنشاء قواعد بیانات خاصة وغیرها من الأدوات الفعّالة لإثراء أي حدث كان؟
مع وجود وظائف الصحافة منذ نشأتها تحقّقت العديد من المنجزات في مختلف بلدان العالم وشاركت بشكل أساس في تغيير المجتمع والاسهام في تطوّره، فضلاً عن كونها منبراً حراً للمجتمع، ومع تطوّر الصحافة عملاً ومحتوى وتقنية تتضح أهمية الصحافة الاستقصائية باعتبارها نمطاً من العمل الصحفي اختلف عن الصحافة التقليدية للبحث بشكل أدقّ عن الحالات التي تدخل ضمن منظومة الفساد العامة للمجتمع، عبر التحرّي والاستقصاء ومحاولة لكشف كل الانتهاكات في المجتمع، وهذا ما نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت آخر.
ووصولاً الى التقدّم التكنولوجي المتسارِع، أسهم تطوّر وسائل الإعلام كثيراً في إثارة اهتمام الجمهور بالقضايا والمشكلات المطروحة لدرجة باتت فيها منصّات الاتصال والإعلام الحديثة ( وسائل التواصل الاجتماعي ) تمثل عصب الحياة بكافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية.
وفي العراق عُدّ العرض لوسائل الإعلام وثبوت مواقع التواصل الاجتماعي قانوناً هو وسيلة من وسائل الإعلام، لذلك لابد من الوقوف عندها وشمولها بالضوابط المهنية التي لا يمكن في أي حال من الأحوال الحياد عنها أو إيجاد التبريرات والمسوّغات لتجاهلها.
المسؤولية الحقيقية بالفعل تقع على عاتق عدد كبير من الإعلاميين العراقيين، وأنا منهم وأخصّ بالذكر الجيل الذي سبقني من الذين تعلّمت منهم وما أزال، وتعلّمَ منهم العديد من زملاء المهنة في أن يكون هناك موقف حازم وإتفاق عام لتعزيز الثقة والتقيّد بالقيم والمبادئ وأهمية أن يلعبَ الإعلام بكافة أنواعه الدور المطلوب منه بأمانة ورُقي وإلتزام.
ابتعاد نخبة من خيرة الأقلام العراقية من ذوي الخبرة والكفاءة عن إتخاذ موقف أزاء ما يجري لا يمكن له أن يمرّ مرور الكرام لأننا أمام مسؤولية وأمانة تاريخية والسكوت عنها ستدفع ثمنها الأجيال القادمة باهظاً في يوم لن ينفع فيه الندم، ولن تكون الحلول ممكنة للأسف الشديد.