طالب عبد العزيز
لم يبق من الحديث عن الحرب -التي لم تندلع بعد- بين ايران وأمريكا الا سؤال الناس لبعضهم: أنت مع من، إذا وقعت الحرب؟ فقد انقسم العراقيون بين مؤيد ومعاد لها، في الوقت الذي يعلم الكل فيه بأن العراق سيكون المتضرر الأول، حال اندلاعها. ففي جولة بسيطة داخل اسواقنا سنجد أن سلة الغذاء العراقية مستوردة باجمعها من إيران، وأذا ما أرادت غلق حدودها معنا سنموت جوعاً، اللهم إلا ما سيدخل لنا من تركيا وسوريا والأردن والخليج . من يريد أن يتخذ موقفاً مناصراً لهذا الفريق أو ذاك عليه أن يفكر بفطوره الصباحي ووجبات غداءه وعشائه قبل أن يحك رأسه مفكراً.
لم يأت على العراق من الهوان والذل كالذي أتت به الأيام هذه، فقد بلغ الدرجة القصوى من الحاجة والضعف والمسكنة. شعبه منقسم، وساسته الحقيقيون نائمون، وعملاؤه يتحكمون بادق مفاصله قوةً وتأثيراً. ترى، ماهي مصلحتنا كشعب في سقوط النظام الايراني؟ وما هو انتفاعنا كشعب في الوقوف مع أمريكا أو ضدها، ولماذا نحشر في حرب لا ناقة ولا جمل لنا فيها، ولماذا يذهب بعضنا في مناصرة إيران حتى لكأنها كانت الملاك الحارس ، ومتى كانت أمريكا البلاد التي سعيت لبناء إنساننا ومدننا؟ ترى متى نقولها صريحة، وبلسان شعب تعداد نفوسه قرابة أربعين مليوناً: أمريكا وإيران سببا خراب العراق. أليست الحقيقة هذه؟
أمريكا التي اسقطت نظام صدام حسين وحلت الجيش وفككت البنى التحتية للبلاد وإيران بطاقم عملائها وتدخلها في أدق شؤوننا، أمريكا وعرب الخليج والبدو والعرب مجتمعين من المشرق الى المغرب كلهم عملوا على تخريب العراق، أليست الحقيقة هذه ؟ إيران ومنذ ستة عشر عاماً وهي تعمل جاهدة على إذلال شعبنا عبر مدّ أذرعها في المؤسسة الدينية والامنية والجيش والشرطة والحشد وابقائه تابعاً، مستعطيا أسواقها في الصغيرة والكبيرة، الى الحد الذي بتنا فيه نستورد منها أباريق دورات المياة في بيوتنا. متى كان العراق عاجزاً عن تأمين أبسط حاجاته قبل ذلك؟
إيران التي وافقت على دخول امريكا للعراق واسقاط نظام صدام حسين، وأمريكا التي وافقت على تمدد أذرع الهيمنة الايرانية فيه، هما من يتقاتلان على أرضنا اليوم، لأمر واضح، فها هي امريكا تتراجع وتلعب لعبة القط والفأر بأدمغة حكام الخليج، تصعّد من نغمة الحرب بمقدار ما ستكسبه من أموال البلدان الجاهزة للدفع، فهي التي صوّرت إيران وحشاً، وهي تعلم إنها القادرة على تكسير انيابه متى شاءت، لكنها لن تفعل، فاللعبة أبعد من حرب تخسرها إيران أو تربحها امريكا. اللعبة نحن، العراق وبلدان الخليج، دمية الأطراف المتنازعة. لن تتمكن امريكا من هزيمة ايران، مثلما لن تتمكن إيران من تدمير امريكا، كذلك ستكون إسرائيل بمنأى عن صواريخ آيات الله، فهي تعلم بأن صاروخا واحداً على اورشليم يعني فناء طهران، أما الذليل والخسران فهو نحن أمة العرب في العراق والخليج.