طالب عبد العزيز
في قراءة بسيطة لمجمل إنتاج العقل العراقي، وخلال نصف قرن، نجد أنَّ رجال السياسة العراقيين في أدنى الدرجات، بموازاة ما أنتجه العلماءُ والمفكرون والمثقفون بعامة. ولعل السنوات الماضية، التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين أكبر دليل على ذلك. ففي الوقت الذي صرنا نقرأ أسماء مثل عباس البياتي وحسن السنيد وبهاء الأعرجي وهادي الكفيشي وإبراهيم الجعفري وحنان الفتلاوي ورافع الرافعي والعيساوي والضاري والمئات من سقط متاع الحياة، نسينا جمهرة الأسماء الطاهرة اللامعة في سماء حياتنا وفكرنا وثقافتنا.
وهنا، تصحُّ عبارة: "العملة الزائفة تطرد العملة الحقيقية" إذ، سيكون معيباً على ذائقتنا تذكر أولئك، الذين اتخموا حياتنا بالسوء والنذالة والقبح، ونسيان هؤلاء، الذين أثروها بالعلم والفكر والنبل والجمال، حتى ليقولنَّ أحدُنا، غيرَ نادم، إنه، من السخف أننا عشنا في أزمنة كهذه، تتداول فيها الفضائيات ووسائل الاتصال أسماء النكرات وتغفل أسماء صانعي آيات الجمال، في الداخل والخارج. ففي الامس القريب مات فوزي كريم، الشاعر والناقد والرائي والإنسان، ومثله مات الدكتور فالح عبد الجبار المفكر الكبير، وبعدهما عبد الرزاق الصافي، وأمثالهم العشرات والمئات، الذين نزلوا ليعطروا التراب بأجسادهم، بعد أن منحونا الجمال كله، بعد أن رسموا لنا طريق المباهج من روحهم وجهدهم وعرقهم.
في مجمل ما نقرأ ونطّلع عليه، نجد أن الحضارة الإنسانية، وعبر التاريخ، إنما تتساوق مُجتمعةً، وفي مختلف مجرياتها. والى وقت قريب نجد أنَّ شعوبا كانت محكومة بأشكال مختلفة من السياسات، كألمانيا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وأميركا وغيرها، ظلت بذاك التوازن(سياسياً وفكرياً)، فقد أنتجت فرنسا، على سبيل المثال، في فترات مختلفة من سياستها من الأسماء الكبيرة في العلم والفلسفة والفنون ما لو قاربنا بين سياسييها، في اليمين او اليسار، لما وجدنا هوّة عميقة في الاتجاهين، فنحن نتذكر ديغول وميتران وشيراك مثلما نتذكر مارلو وسارتر وفوكو وجينيه ووو. وكذلك سيكون الحال مع ألمانيا وبريطانيا وغيرها.
يا ترى، كيف يمكن لشعب قوي وأصيل مثل الشعب العراقي، أفرز لنا شخصية عبد الجبار عبد الله كعالم كبير في الفيزياء، وكبار الأطباء والمهندسين والمعماريين وأساتذة الجامعات والشعراء والفنانين ولنتذكر(الاقتصادي الكبير ساسون حسقيل وثلاثة آلاف طبيب ممارس في لندن، وجواد سليم، ورفعت الجادرجي، ومحمد مكية، وضياء العزاوي، وبدر شاكر السياب، وفؤاد التكرلي ونزيهة الدليمي ...) ولو شئنا لطالت القائمة، نقول: كيف لنا، كعراقيين أن ننشغل بغيرهم عنهم؟ ولماذا نتداول أسماء أتفه خلق الله، الذين شوهوا حياتنا، وقدمونا كأسوأ شعوب الارض. حريٌّ بنا، أن ننأى عنهم، أن نتركهم يتعفنون في مكاتبهم وفي أقبية أحزابهم، ليس بعيداً عن دورات (الحياة) فأمكنة كهذه هي الأليَق بهم.
هي دعوة خالصة، لكي ننجو بها من جيف الأسماء هذه، ونخلص بأنفسنا الى من أثروا حياتنا باللطف والجمال. وكونوا على يقين، بأنْ لا مقاربة تذكر بين ما أنتجه العقل العراقي من قذارة سياسية وما بين أيدينا من عطر وضوع الأسماء الكبيرة في الفنون والعلوم والإنسانية.