محمد العبيدي
على الرغم من حجم التطوّر الهائل في شتى مجالات الحياة، ومنها الرياضة وتفاصيل ممارستها وفق نظام احترافي أسهم في الإرتقاء بها على كافة المستويات، إلا أن هذه الفئة، برغم اهميتها القصوى في مجتمعاتنا وخصوصاً في العراق، مازالت تعيش عتمة إدارية بدائية لم تعد مجدية حتى مع الهواة، والأمثلة عديدة في هذا المجال،
لعلَّ أهمها تلك التي تعيشها كرة القدم بسبب الحياد عن المصلحة العامة، ورفض ثقافة الاحتراف بكل أشكالها الإدارية والتنظيمية والفنية في الأداء والنتائج .
الاحتراف في كرة القدم أمر لا مناصَ عنه لتحقيق التدرّج الطبيعي في دورة الحياة التي طالها التقدّم في كل شيء، وبات ينعكس على ثقافة وسلوك الجميع تلقائياً، وأصبح من البديهيات مواكبة الركب، وتحقيق أدنى معدلات الأداء سواء كان ذلك ضمن مفهوم عام أم الاحتراف في كرة القدم على وجه الخصوص.
الاحتراف بمفهومه العام يعني امتهان الممارسة الرياضية كمهنة أو صنعة، وبالتالي التفرّغ الكامل لممارستها مقابل مبالغ مالية كرواتب ومكافآت بموجب عقد محدّد المدة. وهو السبيل الأمثل لتطوير أي قطاع رياضي في العالم لأنه النافذة الوحيدة التي يطلُّ من خلالها اللاعب والمدرب والمؤسسة الرياضية بأكملها للارتقاء بالعمل وفق مستجدات العلوم الرياضية الحديثة، وخصوصاً تطور أساليب ونظم التدريب في كرة القدم، فلم يعد تطبيق نظام الاحتراف أمراً عصيّاً على أحد في يومنا هذا لاسيما مع نجاح تجارب الآخرين ممّن سبقونا بمراحل وتوافر كل السُبل والامكانيات للفائدة من الفرص المتاحة في هذا الجانب .
بقاء منظومة كرة القدم العراقية في خانة التخلّف بعد أن كانت إنموذجاً يُحتذى به مقصود لغايات واسباب لا حصر لها، لكن يبقى التذكير وتنبيه الرأي العام واجب لابد منه خصوصاً مع توافر العناصر الأساسية واهمها الامكانيات البشرية التي بإمكانها أن تعمل بتعاون وتفاهم وفق الأنظمة والقوانين واللوائح المُنظّمة لعملية الاحتراف.
ثقافة الاحتراف تمنح لكل طرف حقوقه وواجباته وإلتزاماته تجاه ناديه حسب شروط، ومنها التفرّغ لممارسة كرة القدم، وصولاً الى اتباع نظام غذائي صارم والانضباط في السلوكيات والأخلاقيات، ومع أن الشائع هو النموذج الأوروبي الذي يعتمد نظاماً صارماً للاحتراف، وأشدّها إتزاماً بالشروط والعقود، لكن الأكثر إثارة للاهتمام هو الاحتراف في كرة السلة الأميركية، وهو في الواقع نظام متكامل يشمل تفاصيل واسعة جداً في غاية الأهمية، وهي التي أدّتْ باللعبة وتحديداً دوري المحترفين الى ما وصل اليه من مستوى وشهرة وشعبية وانجازات .
دوري المحترفين الأميركي لكرة السلة له محكمة خاصة لفضّ النزاعات والنظر في كل القضايا المتعلقة باللعبة ناهيك عن مستوى الوعي والمستوى التنظيمي الرهيب في عالم الـ NBA .
بات لزاماً معرفة معنى الاحتراف الحقيقي وتطبيقه عبر إيجاد لوائح شاملة وثابتة وواضحة تستوفي كل الشروط، ومنها إستحداث المرجعية القانونية للفصل في المنازعات التي تحدث نتيجة قصور في اللوائح بعيداً عن الاجتهادات الشخصية.
يتحتّم أيضاً تعميم ثقافة الاحتراف بعدّة طرق وإخاذ خطوات عملية جادة مروراً بإدرك أهمية مفهوم الاستثمار الرياضي، والدعاية والتسويق والتمويل والبيع والشراء .
الفكر الاحترافي يجب أن يطغى على كل النواحي الأخرى التي تساعد في هذا التطوير، فاللعبة لا تدار من قبل هواة أو منتفعين أو طارئين، وإنما من قبل متخصصين وخبراء محترفين في فن الإدارة وطي صفحة العشوائية والمصالح الشخصية والجهل الرياضي التي دمّرت الرياضة العراقية وافسدت مفاهيمها.
أهم ما يحتاجه اللاعب اليوم هو الوعي والثقافة التي تفرض عليه واجبات تحدّد الإلتزام والانضباط الأخلاقي والأدبي الذي يجب أن يكون عليه عند تعامله مع الإداريين والإعلام والمدربين واللاعبين والجمهور بجانب ثقافة الاحتراف المهني كجزء من واجب الإيفاء بمستلزمات العقد وأيضاً بالنواحي الاجتماعية والتربوية المطلوبة.
صحوة الرياضة العراقية مرهون بتفاعل جميع الأطراف برغبة صادقة للعمل واستنفار المختصّين في المنظومة الرياضية لأداء دورها في المراقبة والتقييم والاختيار، وتهيئة كل الظروف العامة التي تحيط وتدير عملية الاحتراف وتطويره وفق المنظورين العام والخاص.