إياد الصالحي
كالعادة .. خرج منتخبنا من ملعب رادس في تونس بلا (حبّة حمص) واحدة تشعره بمكسب اللعب أمام "نسور قرطاج" بعد عناء رحلة طويلة موسومة بنقص في العدد الأساس والاحتياط من اللاعبين المفترض تحضيرهم لهذه الموقعة الدولية قبيل اسبوعين في الأقل.
خسرنا مباراة الجمعة، السابع من حزيران، لعباً ونتيجة، ولم نُحسِّنْ تصنيفنا الموعود في لائحة الاتحاد الدولي لكرة القدم لنحجز مقعدنا ضمن الصف الثاني بين منتخبات آسيا باستحقاق، لأننا أدمنّا أهمال كل شيء وتركنا أمورنا بيد الصُدُف لتعبث بمقدراتنا الفنية والنفسية وحتى الاحترازية بقناعة اتحادية بليدة تؤكد قيادته الصورية للمنتخبات بلا تفاعل وإدراك مسبق بتبعات الفشل المتلازم دون معالجات فنية محسوسة تبرّئة من التقصير.
أي أعذار أقبح ممّا سمعنا عشية مباراة محددة سلفاً في الثاني والعشرين من شباط الماضي، ثمانية لاعبين مهمّين في عِداد الغائبين عن المباراة، لاسباب يمكن وصفها بالمهزلة لعدم تفاديها بوقت مناسب، يتحمّل جزء منها المدير الإداري للمنتخب باسل كوركيس والمتعلّقة بنقص في وثائق جوازات السفر، وكذلك ضعف في المستوى البدني، وتراجع فني لا يؤهل اللاعب لتمثيل المنتخب، وفوق هذا وذاك إصابات طارئة في الدوري، فضلاً عن عقوبات انضباطية من مخلّفات بطولة آسيا السابعة عشر في الإمارات مطلع العام الحالي.
عن أي منتخب رسمي نتحدّث وأية فرصة مونديالية نترقب وأي صبر جميل نخدع انفسنا به؟!
لا نريد لهذه المساحة من المصارحة أن تكون مصهراً لإذابة كلمات الانفعال في دورق النقد الحارق مثلما يستحقه المعنيون بفشل رحلة الأسود إلى تونس ، فمقدّمات استعداد المدرب كاتانيتش لتصفيات كأس العالم 2022 في قطر لا تبشّر بنتيجة إيجابية في نهايات المشوار، فمازالت لمساته خجولة وغير مؤثرة، والانطباع السائد من رؤى نقاد عرب منصفين وليسوا عراقيين ربما يتّهمون بالتعصّب على حساب الحِكمة عند تناول قضية ممثل الوطن، العرب شخّصوا ضحالة الفكر الفني للاعب العراقي في تعاطيه مع مجريات المباراة، ولم يشعروا (أي النقاد) بقيمة المهمة التي يدافع عنها أسود الرافدين.
ونحن نضيف، أن مفهوم الاستحواذ في عالم كرة القدم من أبرز مشاكل منتخبنا الذي لا يعر أهمية له، ما يدلل ذلك على فقر المخزون الذهني المسؤول عن تحفيز اللاعب كي يتقن اللعب الجماعي، والتمرير السليم، واستغلال المساحات، والتحدي في الصراعات الثنائية، وعدم إضاعة الفرص، والذكاء في التمركز، والمخادعة، والانتشار الإيجابي لتفكيك التكتل الدفاعي، والإتقان بمناولة الكرة إلى الجانبين أو العُمق، بما لا يدع المجال للمنافس يستعيد الثقة ويبادل الهجمة بهجمات أخطر منها.
ليقل لنا كاتانيتش: ما دوره وهو يرى حارس المرمى جلال حسن يُهدي المنافس الكرات الطويلة، وكأنه يأذنُ له ببدء الهجوم المُضاد؟ لماذا لم يحذّر المدافع سامح سعيد في التمرين بأن مهمته "الفدائية" تتطلّب مواجهة المهاجم ومنعه من تهديد المرمى لا أن يتفرّج برسم التهرّب ويُعطي ظهره ويسمح له باختيار الزاوية التي تعجبه؟ أين خط الوسط ولماذا تاه لاعبوه بين قامات تونسية اصطادوا كل الكرات العالية ولم نضبط تمريرنا ومحور ارتكازنا وتنظيم أسلوب المناورة لإنهاء فاعليتهم أو تقليل تأثيرهم؟ أليست هذه الملاحظات من واجبات المدرب المتورّط بمهمة صادمة أكبر من قدراته المُختبرة بتجارب متواضعة خرج منها بتأنيب النفس مع الدرس بعدم التكرار؟!
ذاك ميمي الذي عوّلنا على استفراده بالنجومية في أمسية رادس ليكون عوناً لزملائه في صناعة الفارق، تناسى أن ملايين العراقيين تسمّروا أمام شاشات التلفزة ترقبوا منه فصلاً من اللعب الجماعي كونه الوحيد في المقدمة ويفترض به أن ينسّق مع زملائه لتشكيل ضغط هجومي ناجح، وإذا به يستسلم لأنانيته ويركز على تعقيد الجملة التكتيكية والمبالغة في الاستعراض المهاري أكثر من سلاسة التمرير وخلخلة المدافعين بمسارات الكرة السريعة خارج المنطقة مع لاعبين أو ثلاثة بغية التسديد الدقيق وهز الشباك.
نعم انتصار " نسور قرطاج " أهدى الفرنسي آلان جيريس الثقة في أول تطبيق رسمي لمنهجه التدريبي استعداداً لكأس أفريقيا، وفي الوقت نفسه حذّر أسود الرافدين من سوء التغافل لمصيرهم تحت قيادة السلوفيني بالرغم من وجود أربعة أشهر تكفي لاستدراك مخاطر الكبوات المتوقعة من خلال إقلاع رئيس الاتحاد عن التظاهر بالتمسّك بالمدرب نكاية بكل مَن كشف حقيقة عدم صواب التعاقد معه!