شاكر النابلسي إن الحقيقة الماثلة أمامنا الآن في بداية هذا القرن مثولاً عقلانياً ومعرفياً هي أن الأحزاب الاشتراكية العربية في القرن العشرين قد فشلت في النظرية والتطبيق في إقامة فكر واضح للعدالة الاجتماعية، أو ما أطلق عليه حيناً بـ "الاشتراكية الناصرية" وأحياناً بـ "الاشتراكية العربية".
وهذا الحكم لم يكن حكمـاً عربياً محلياً فقط، بقدر ما كان أيضاً حكماً دولياً وعالمياً على التجارب والأحزاب الاشتراكية العربية.rnهُزال الأحزاب العربيةفلو نظرت الأحزاب الاشتراكية العربية إلى نفسـها في المرآة الاشتراكية الدولية في الستينات والسبعينات من هذه المرحلة، لوجدت نفسها على هامش الحركة الاشتراكية الدولية، وأنها كانت مُنكَرة ومُهمَلة ومُبعَدة من قبل منظماتها لعـدم جدية خطابها الاشتراكي، ولعدم ديمقراطية هذا الخطاب، وهو الأهم.فمن المعروف أن هناك منظمة اشتراكية عالمية تُدعى "الدولية الاشتراكية Socialist International" ، تمَّ تأسيسها في فرانكفورت في العـام 1951 ، واشتركت في عضويتها معظم الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية العالمية التي ّشلت قوة هذه المنظمـة والتي يشترط فيها أن تكون أحزاباً ديمقراطية في الدرجة الأولى، لكي تنتسب إلى هذه المنظمة. واعتُبرت هذه المنظمة قوة سياسية دولية مرموقة لها تقاليدها السياسية والفكرية.rnأحزاب ليست بذات مصداقيةوبما أن الأحزاب العربية الاشتراكية التي كانت قائمة في هذه المرحلة لم تكُ أحزاباً ديمقراطية بعُرف ومقاييس "الدولية الاشتراكية" هـذه، لذا لم تُدعَ هذه الأحزاب إلى مؤتمرات واجتماعات هذه المنظمة ما عدا حزباً عربياً واحـداً يُعتبر أصغرها عدداً وأقلها شهرة، وهو "الحزب التقدمي الاشتراكي" اللبناني الذي تأسس في 1949 بقيادة كمال جنبلاط (1917-1977) والذي انتسب إلى هذه المنظمة الدولية منذ الخمسينات، وأصبح عضواً فاعلاً فيها ويرجع ذلك إلى وجود نسبة معقولة من الديمقراطية السياسية والحزبية في لبنان. أما باقي الأحزاب العربية الاشتراكية الكبرى وعلى رأسها "حزب البعث" و"الاتحاد الاشتراكي" المصري فلم يفلحا في دخول هذه المنظمة الدولية لعدم توفر الديمقراطية فيهما. بينما يدعي بعض الباحثين إلى أن السبب هو سيطرة الصهيونية على هذه المنظمة. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تم قبول "الحزب التقدمي الاشتراكي" اللبناني - وهو الحزب اليساري المعادي لإسرائيل- دون بقية الأحزاب العربية الاشتراكية الأخرى والكبرى؟ إذن فالرفض لم يكن لأن هذه الأحزاب عربية ومعادية لإسرائيل، ولكنه كان بسبب أن هذه الأحزاب كانت ديكتاتورية، من خلال المجتمعات التي حكمتها، في أنحاء مختلفة من العالم العربي.(أنظر:خالد الكومي، الدولية الاشتراكية والوطن العربي، مجلة "المستقبل العربي"، ع49، 1983). كذلك لم تدعَ باقي الأحزاب العربية المُنتقاة إلى اجتماعات "الدوليـة الاشتراكية" طيلة الفترة (1951-1976) إلا في العام 1977 عندما نشبت أزمـة البترول العربي، ووقع الحظر، وأراد قادة هذه المنظمة - وهم من قيادي العالم. وكان من بينهم برونو كرايسكي مستشار النمسا، وفيلي برانت المستشار الألماني، وهارولد ويلسون الزعيم العمالي البريطاني، وأولف بالمه زعيم الحزب الاجتماعي الديمقراطي السويدي، وغيرهم. - أن يتعرَّفوا على أوضاع البترول من داخل العالم العربي نفسه، وبلسان بعض سياسييـه الحزبيين.وأخيراً، وفي العام 1980 دُعيت مجموعة من الأحزاب السياسية العربيـة إلى المؤتمر الخامس عشر لهذه المنظمـة، ولكن لم يكن من بين هذه الأحـزاب "حزب البعث"، أو "حركة القوميين العرب". ويبدو أن دعـوة "الحزب الوطني المصري" الحكومي مع حزبين مصريين آخرين هما: "حزب العمل الاشتراكي"، و"حزب التجمع الوطني التقدمي"، كـان لأسباب منها:1- إن "الحزب الوطني الديمقراطي" كان الصيغة الساداتية الجديدة للاتحاد الاشتراكي الناصري. ولا فرق بينه وبين "الاتحاد الاشتراكي"، من حيث أنه حزب الدولة. ومنه يخرج رئيس الجمهورية والوزراء إلى سُدة الحكم . وهو الحزب الحاكم في مصر كما كان عليه "الاتحاد الاشتراكي" في السابق، وكما كان قبلة "الاتحاد القومي"، وكما كانت عليه "هيئة التحرير" في البدء. وما هي إلا أسماء سمّوها هم وخلفاؤهم لمضمون واحد، ومذهب واحد، وهو ديكتاتورية الحزب الواحد. وإن كان السادات في عهد "الحزب الوطني" الحكومي قد أطلق على حزب الحكومة صراحة اسم "حزب"، وهو ما لم يفعله عبد الناصر الذي كان يفضل اسم "الاتحاد" على اسم "الحزب" لكرهه الشديد وضيقه الكبير بالأحزاب. كما كان السادات هو الذي سمح بقيام الأحزاب الأخرى كمكْرُمة منه، مميزاً عهده بالتعددية الشكلية عن عهد عبد الناصر الأوحدي، الذي كان يُصرُّ على الحزب الأوحد فقط. ورغم هذا فلم يدخل الوزارة المصرية في عهد السادات، وفي عهد حسني مبارك أي وزير أو مسؤول
ما هي الآثار السياسية لعاصفة "العدالة الاجتماعية" المزعومة؟
نشر في: 1 مايو, 2010: 04:57 م