سامي عبد الحميد
منذ أن تمّ استحداث الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) باختصاص الفنون المسرحية في كليات الفنون الجميلة العراقية ولحد اليوم لا أعتقد أن بحثاً واحداً تعرّض لحل أحدى المشاكل الحاصلة في الميدان، وكلها وهي كثيرة جداً ،
قد رُصِفت على رفوف المكتبات، وفي معظم الدول المتقدمة فأن الجامعات ومراكز البحث العلمي تتوجه في بحوثها لحل مشاكل معينة يعاني منها هذا الوسط الحياتي أو ذاك. لا ليس من أهداف البحث العلمي تجميع معلومات من مصادر متوفرة ومناقشتها من قبل الباحث والمشرف على البحث فهناك من قام بطرحها ومناقشتها دارسون أكثر خبرة وعلماً، وليس من أهداف البحث في مجال الفن المسرحي الكشف عن محاسن ومساوئ إحدى الظواهر المسرحية أو أحد العروض المسرحية. ولا من أهدافه أيضاً القيام بنقل هذه الظاهرة أو تلك والتوقف عند هذا الحد بل لا بد من التقدم نحو إيجاد البديل الأفضل وتصحيح ما هو خاطئ.
ركّزت معظم بحوث الفن المسرحي في موضوعاتها على ما يحدث في الحركة المسرحية العراقية. وهي من الكثرة بحيث أصبح من الصعب جداً أختيار عنوان جديد للبحث. وأفضل دليل على ذلك كثرة أعداد الخريجين في هذا الاختصاص وأصبح من السهل جداً حصول الطالب الباحث على شهادة الماجستير أو شهادة الدكتوراه ولا أعتقد أن هناك بلداً في هذه الدنيا فيه هذا العدد الكبير من حاملي الشهادتين .
من ملاحظاتنا على بحوث الدراسات العليا في اختصاص الفن المسرحي ما يلي: (1) تشابه معظم المعلومات المقتبسة من المصادر والتي تحتويها مباحث ما يسمى الإطار النظري وذلك بسبب محدودية المصادر المتوفرة ومعظمها مترجم عن لغات أجنبية، وعلى سبيل المثال ما يخص (أداء الممثل) يضطر الباحث للتطرّق إلى الموضوعات نفسها حول الهيئة الخارجية للشخصية وحياتها الداخلية واستخدام صوت الممثل وجسمه في التعبير. وما يخص (دور المخرج في المسرح العراقي) أن يضطر الباحث للتعرض إلى وظيفة المخرج في اختيار النص واختيار الممثلين والمصممين والى تحليل النص وتحليل الشخصيات وهي معلومات تتكرر في جميع المصادر. (2) تعتمد معظم البحوث إن لم تكن جميعها على اختيار لـ(عيّنة) قصدياً . وهذا يعني أن الباحث يعرف النتائج مسبقاً ، ولا يلاقي صعوبة في الاكتشاف . وهذا يعني غياب الحاجة إلى البحث. (3) ليس هناك مشكلة حقيقية لأي بحث منجز. وعلى سبيل المثال ما هي مشكلة البحث المعنون (الإلقاء في العرض المسرحي – دراسة سيميائية ) وهي موضوع مبحوث في جميع المصادر التي تناولت الدال والمدلول في عناصر العرض المسرحي و منها عنصر الصوت. (4) تتبع معظم البحوث إن لم تكن جميعها المنهج الوصفي حيث يلجأ الباحث إلى الملاحظة المباشرة والى المقابلة كأدوات للبحث ، ونادراً ما يلجأ الباحثون إلى المنهج التاريخي أو المنهج التجريبي وهذا الأخير هو المطلوب في بحوث الفن المسرحي.
ومما يثير الاستغراب حول اختصاصات الفن المسرحي وعلاقتها بالدراسات العليا واعداد البحوث هو أن كليات الفنون الجميلة عندما تمنح (الدكتوراه فلسفة) للمختصين في (الحرّف المسرحية) مثل التمثيل والإخراج، والماكياج، والديكور، والاضاءة وهي اختصاصات تعتمد بالدرجة الأولى على الجانب العملي . وحسب علمي ليس هناك من جامعة أو كلية في العالم تمنح (الدكتوراه فلسفة) لمثل تلك الاختصاصات ، ويقتصر منح هذه الشهادة على موضوعات تخص تاريخ المسرح وتأليف الدراما والنقد الفني وفلسفة الفن.