سامي عبد الحميد
أصدر الأستاذ صباح المندلاوي كتابه المرسوم (مسرحيون راحلون) يستذكر فيه هذا الفنان المسرحي عدداً من المسرحيين العراقيين – مؤلفين ومخرجين وممثلين
ممن غادرونا وتركوا في الساحة المسرحية بصماتهم الإبداعية وتعرض بأسلوب صحفي شيق لأبرز أعمالهم الفنية. وقدّم (المندلاوي) في كتابه مساهمة مهمة في توثيق قسط من النشاط الثقافي والفني في العراق في مدّد زمنية مختلفة ويذكرنا (المندلاوي) بالرائد المؤسس (حقي الشبلي) واضع الحجر الأساس للنهضة المسرحية في العراق ومربي الجيل الأول من طلبة معهد الفنون الجميلة الذين طوّروا حركة المسرح ومنهم (إبراهيم جلال) الذي بشّرنا بنظرية (بريخت) عن المسرح الملحمي و(جاسم العبودي) الذي عرفنا بطريقة ستانسلافسكي ونظريته عن الواقعية النفسية و(جعفر السعدي) وتعلقه بالمسرح وإخلاصه وتفانيه في العمل . و(يوسف العاني) وشعبيته الناقدة المتمثلة في مسرحياته (تؤمر بيك، ورأس الشليلة، والخراب والشريعة، والخان، والمفتاح وهو المؤسس لفرقة المسرحية العريقة (المسرح الفني الحديث) . و(قاسم محمد) وإحياءه للتراث الأدبي العربي وكاتب ومخرج المسرحية الملحمية (بغداد الأزل بين الجد والهزل) . و(فخرية عبد الكريم – زينب) وزميلتها (ناهدة الرماح) ودورهما في تغيير نظرة المواطن إلى الفن المسرحي وتحولها من الاستنكار إلى الاعتزاز والإكبار.
يعرفنا المندلاوي بالكاتب المسرحي الطليعي (جليل القيسي) ونتاجه الذي ارتقى إلى المستوى الدرامي المتقدم وكذلك بكتاب المسرحية الآخرين ممن جدّدوا أسلوب كتابة المسرحية وهم (نور الدين فارس ومحي الدين زنكنه وطه سالم).
وفي كتابه المشار إليه اعلاه استذكر (المندولاي عدداً كبيراً من الممثلين البارزين في المسرح وفي السينما والتلفزيون أمثال فخري الزبيدي وخليل شوقي ومكي البدري وجليل الرفاعي ومنذر حلمي وهاني هاني وغيرهم وفاته أن يشير إلى (عبد الجبار عباس) الذي مثل دور (أم علي) في التلفزيون والذي عمل بتفانٍ عضواً في فرقة المسرح الحديث وأبدع بتمثيل أدوار الكادحين، وفاته أيضاً أن يشير إلى (عبد الواحد طه) أحد أبرز أعضاء فرقة المسرح الحديث، ولكن (المندولاي) لم ينس ممثلي الكوميديا (جعفر لقلق زاده وراسم الجميلي وأمل طه) وهو يعتبر كتابه جزءاً من الوفاء ممن غادرونا وقد تألقوا عندما كانوا أحياء ولعله في استذكار أولئك المبدعين يعبر عن حسّه وحرصه الوطني في تعريف الأجيال اللاحقة بما قدمته أولئك الراحلين من عطاء فني يجب أن نبقى نستذكره ونُشيد به . ومما يحمد عليه (المندلاوي) في كتابه هو الكشف عن الكثير مما خفيّ وإطلاق صرخة منادية للاعتراف بفضل أولئك المبدعين ليس على الحركة المسرحية وحسب بل على الحركة الوطنية أيضاً ، وكان بعضهم قد استشهد.
حبذا لو يكون كتاب المندلاوي محفزاً لدائرة السينما والمسرح لأن تقيم ندوات فكرية يتحدث فيها المشاركون عن إبداعات أولئك المسرحيين الذين رحلوا وأسدل عليهم للأسف ستار النسيان . وكم يكون جميلاً لو استطاع قسم السينما في الدائرة أن يوثّق لبعض الأعمال التي انجزها البعض من أولئك المبدعين أو التي شارك فيها البعض الآخر وكم يكون عظيماً وجميلاً أيضاً لو أن منتدى المسرح يعمل على إقامة معرض للصور الفوتوغرافية لمنجزات وعطاءات أولئك المسرحيين الراحلين.