إياد الصالحي
يرتكز التطوّر الرياضي العالمي في الدول المتقدمة على تدعيم مفاصل البنى التحتية والتسابق المحموم للاستفادة من ثورة التكنولوجيا بكل مجالاتها لتُضيء مضامير الأبطال نحو منصّات التفوق،
وأيضاً تحرص هذه الدول على أمنها الرياضي وتسويره بمنظومة قوية متشابكة مع جهازي الحكومة القضائي والأمني لمحاربة الفساد ومنع حصول الجريمة المالية والتلاعب في نتائج المسابقات وزيادة ثقة الجماهير بإجراءات المكلّفين بحماية الرياضة.
الخميس الماضي، أنهى المركز الدولي للأمن الرياضي بالتعاون مع المنظمة الدولية للنزاهة في الرياضة (سيغا) المؤتمر الدولي المضيّف من الحكومة البرتغالية في لشبونة بإبرام إتفاقية مشتركة بين (النيابة العامة وأجهزة الشرطة واللجنة الأولمبية في البرتغال).
وتمخّض المؤتمر الذي احتضن أعماله جهاز أمن البرتغال عن إتفاق عُدَّ الأول بين المركز الدولي للأمن الرياضي مع (القضاء والشرطة) لمكافحة الفساد في الملاعب وشؤون الإدارة والأموال وكل ما يتعلق بتسنّم الأفراد مسؤوليات القيادة بنزاهة عالية.
وما تفاخر كونستانتينو رئيس اللجنة الأولمبية البرتغالية، وجويرا رئيس النيابة العامة في لشبونة، ونيفيز القائد العام لجهاز أمن الدولة (الشرطة القضائية) بنتائج المؤتمر الدولي لإحكام السيطرة على جرائم الفساد الرياضي وتنمية قدرات رجال الشرطة والقضاء في التحقيق النزيه والتوصل الى خيوط الفساد برغم امتلاك البرتغال العقول الخبيرة والامكانات المادية واللوجستية للتعامل الاحترافي مع الخروق التي تهدّد الرياضة، إلا تأكيداً على الأهمية الستراتيجية للتلاقح مع برامج المركز الدولي للأمن الرياضي لبناء سياج حصين يؤمّن استمرار الأنشطة الرياضية ويحمي أموالها من أطماع اللصوص المقنّعين بعناوين المواقع وأحجبة المبادىء.
قراءة سريعة لجدول أعمال المؤتمر الدولي للنزاهة في الرياضة يمكن أن تضعنا في قلب الحدث الرياضي العراقي المضطرب بشبهات الفساد والمتلاطم بملفات الخروق المعروضة على أجهزة الحكومة القضائية والرقابية والتنفيذية التي تدين مؤسسات رياضية بتهم عدّة منها إدارية وأخرى مالية رفعت وتيرة التقاطعات بعد صدور القرار الحكومي المعدل 140 لسنة 2019 نتيجة غياب الارضية المشتركة بين الحكومة وقطاع الرياضة مثلما عزّزها مؤتمر لشبونة بوثيقة تعاون تحول دون ارتكاب أية حالة فساد أو تلكؤ في تنفيذ الإجراءات.
في السنين التي سبقت عام 2008 لم يشهد العراق بيئة أمنية صالحة لتنظيم المؤتمرات الدولية النوعية للرياضة ولم يجرؤ أحد أن ينسّق بهذا الاتجاه خشية أن تُهدّد سلامة الضيوف بحادث إرهابي يفجّر فضيحة كبرى، فما بال الحكومة اليوم بعد مضي أحد عشر عاماً من الاستقرار الأمني على جميع الصُعد لاسيما في العاصمة بغداد وبقية المحافظات ولم تدرس مع وزارة الشباب والرياضة فكرة تنظيم مؤتمر دولي بالتنسيق مع المركز الدولي للأمن الرياضي الذي يرأسه القطري محمد بن حنزاب يُسهم في معالجة عديد المشكلات التي تعاني منها رياضتنا في ظل غياب التواصل مع المنظمات الدولية المتخصصة وفي مقدمتها المركز المذكور.
لا ننسى الميزانيات الكبيرة التي أنفقت على الرياضة العراقية منذ إنبثاق اللجنة الأولمبية الوطنية الجديدة عام 2004 حتى الآن، وتعدّد الهيئات الإدارية المختلفة التي تولّت مهام الإدارة في الأندية والاتحادات والمكتب التنفيذي للجنة الأولمبية، لم تستطع كلها أن تبرمج أعمالها وتقنّن الأموال اللازمة لديمومة انشطتها، وفرّطت بفرص ثمينة لدفع عجلة الرياضة عندما انشغلت ولما تزل بتبادل الاتهامات وعقد صفقات انتخابية جلّ همّها أن تكرّس مُددها الشرعية وغير الشرعية لفترة طويلة مستفيدة من غياب القانون الرياضي الموحّد الذي وعد وزير الشباب والرياضة د.أحمد رياض المباشرة بكتابة مسودته وإصداره ما بعد الإنتهاء من دورة طوكيو الأولمبية عام2020.
نثق تماماً بقوة ونزاهة الأجهزة القضائية والأمنية في بلدنا ولا يُفسد هذه الثقة ثلة من ضعاف النفوس، سقوطهم عاجلاً أم آجلاً في كمائن كشف تورّطهم في الجريمة مع مافيا الفساد، فنحن بحاجة للاحتكاك مع تجارب دولية نجحت في تطويق أزمات هدر الأموال والتلاعب في مصير الأندية ونظّفت بقدر استطاعتها مكاتب إدارات الرياضة العالمية من عبث الماكرين بمصالحها ممّن أسّسوا مرتكزات البقاء في مواقعهم أطول فترة واعتاشوا على المُنح والمخصّصات وعوائد الاستثمار والهدايا والرشى والتلاعب بنتائج المباريات في بطولاتهم.