إياد الصالحي
مُذ أن رأت قناة "العراقية الرياضية" النور من شبكة الإعلام العراقي الأحد 12 حزيران عام2005 بملاك إعلامي رياضي متخصّص،
لم تبرح الانتقادات محيط ووسط عملها وإضطرارها الى تغيير الملاكات القيادية فيها دون أن تلفت المشاهد بدورة متميّزة تخرج عن رتابة المضمون الذي أثار اللغط من أصحاب التخصّص أنفسهم باعتبارها قناة حكومية تحظى بدعم مالي كبير لا يتناسب مع عطاء ساعات التشغيل.
للأسف، يسعى البعض الى تسطيح قضية إدارة قناة "الرياضية العراقية" من خلال التركيز على منصب المدير ومؤهّلات شاغله وكيفية ترشيحه له بوساطة حزبية أو اجتماعية أو بكفاءته، بينما متطلّبات تطوير واقع القناة أهم من ذلك، وتمتد تأثيراتها خارج حدود الإدارة، فالقناة ظلّت تعاني فقر الدورات التلفازية الموسمية والتكرار المملّ للبرامج الحوارية مع تغيير بسيط في نوعية بعضها وتوقيتاتها، فضلاً عن غياب رؤية القناة للأحداث العربية والعالمية أسوة ببقية القنوات المتخصّصة في المنطقة، إذ غالباً ما تلتهم أنشطة وأرهاصات كرة القدم أغلب الساعات المسائية و"الذهبية" على وجه الخصوص بفقرات - بعضها لقتل الوقت ليس إلا- حتى تبدأ دورة الإعادة ما بعد منتصف الليل إلى الصباح .. وهكذا.
أربعة عشر عاماً، والطعن مستمر في قناة الوطن، في مفاصل مختلفة، وغالباً ما تُنفَث السموم من أقرب المقرّبين للعاملين في القناة من باب الغيرة والحسد والحقد نتيجة صراعات شخصية ومواقف متضادّة في رؤى المشهد الرياضي والتخندّق المفضوح لرفعة هذه المؤسسة والاطاحة بتلك.
والأبرز في هذه الصورة السيئة أن مقدّمي بعض البرامج في القناة يناكفون غُرماء لهم في قنوات أخرى برسائل مباشرة تهدّد وتتوعّد وتترصّد بلا احترام للمشاهد، فسقطت قناة الوطن ممثلة بهكذا برامج في فخّ التراشق وحمل راية الدفاع عن شخوص أو كيانات في قضية ما بلا حياد في بعض الأحيان، وهو ما لا يُتفق مع مبدأ العمل المهني الذي يرى الجميع في منظار الأزمة بعيداً عن تشارك الإعلامي مع الطرفين الهجوم والدفاع.
إن الإعلام العراقي بصفته الخيمة الكبيرة التي تنضوي تحته كل المؤسسات الحكومية والمستقلة ليس بريئاً مما يحصل من خروق على صعيد السلوك والعلاقات وقواعد العمل وآليات الارتقاء بمنتسبيه منذ عام 2003 حتى الآن، ولعل أهم ما يلفت النظر في التكاسل المهني بعدم المحافظة على مؤسسة مثل قناة "العراقية الرياضية" المؤمَّنة مالياً من الدولة هي تحصينها بسياسة تكاد تكون منغلقة على نفسها من ناحية خصوصية التعيينات وتهرّب مسؤوليها من استقطاب زملاء أكثر خبرة منهم للعمل الاستشاري، والإبعاد القسري لثلة من معدّي البرامج النوعية وفي ذمة القناة مكافآت مجزية لهم لم يتسلّموها، وارتباك العمل الاستثماري بخصوص نقل مباريات بطولات كرة القدم وكرة السلة وغيرهما محلياً واللذين شابهما التقاطع أكثر من مرّة، فضلاً عن تذميم بعض العاملين لمنافسيهم سواء في البرامج أو التعليق أو التحليل وإشهار (الفيتو) لصحفيين بطريقة سيئة تنمُّ عن غياب الرادع لهكذا منهج لا يحسب لسمعة القناة أية قيمة.
إن إدارة برنامج رياضي محدود الوقت وعدد المساهمين في نجاحه أكيد ليس موضع مقارنة مع إدارة قناة "إدارياً وفنياً وقانونياً ومالياً" وتلعب "كاريزما" ضبط النفس في كبح مشاكل طارئة دوراً مهماً في محافظة المدير على أسرة العمل، ونزيد على ذلك ثقافة القيادة المدعمة بتجربة سابقة للمنصب وسواه تضيف طمأنة للمسؤول ومرؤوسيه بأنه لن يعاني المتاعب التي يتربّص بها الغير ليثلم من ثقته، كل هذه المواصفات تسهم بفاعلية في إحداث نقلة نوعية مرتقبة للقناة وليست شكلية خاضعة لتجربة مدير جديد.
إن مواقع إدارة المشاريع الكبرى بصورة عامة في العراق لا تجتزأ بمعناها السائد (تعيين لسد شاغر، تزكية صديق لخلافة مدير مُقال، حصّة كتلة سياسية مؤثرة) كما تتصاعد الهمسات من أروقة المشاريع ذاتها، كلا، المشاريع الكبرى إما أن تكبر بمسؤوليها وينقذونها من الفشل والخسائر وألسنة المنتقدين المنصفة والحادة، أو أن تبقى صغيرة بعهدتهم ومكبّلة بمعوّقات من صَنيعهم نتيجة نقص الخبرة، وهنا لا مناص من الاستعانة بهيئة استشارية مساندة تمتلك صلاحيات موسّعة تُحدث توازناً في إتخاذ القرار متى ما تماهى شعور المسؤول الأول عن المشروع إنه ليس مالكاً له بالطول والعرض، بل يؤدي مهمته الوظيفية ويثبت كفاءته على الأرض.