سامي عبد الحميد
أتفق معظم علماء الأنثروبولوجيا على أن أصل المسرح هو الطقس الديني وهو ممارسة مقدسة. وكان أول تحويل للمارسة الدينية إلى ممارسة مدنية متمثلة بالفن المسرحي قد حدثت لدى الإغريق القدماء
حيث ظهرت المسرحيات التراجيدية - المأساوية من طقوس الديثيرامب التي تقام سنوياً في أثينا احتفاءً بالآله ديونيسوس والكوميديا من طقوس الفالنوريا للغرض نفسه . وكان المدعى (اربون) أول من كتب نصاً مسرحياً معتمداً على الارتجالات التي كان يؤديها قائد الجوقة في الاحتفال الطقسي. وبعد ذلك ظهرت النصوص الشعرية المسرحية لكل من اسخيلوس وسوفو كليس ويوربيديس وارستوفانيس . من القرن الخامس والقرن السادس قبل الميلاد. وكانت السلطة الحاكمة في أثينا ترعى الأعمال المسرحية وتبني بنايات خاصة لها وتدعمها معنوياً ومادياً وكانت تقيم سنوياً المسابقات لأفضل مسرحية تراجيدية.
ومن أوجه التشابه بين أهداف إقامة الطقوس وإقامة العروض المسرحية نذكر ما يلي: (1) الطقس شكل من أشكال المعرفة حيث إنه يعتمد على الأسطورة التي تحتوي على معلومات عن المجتمع وعن علاقة الإنسان بعالمه. (2) كلاهما يهدفان التعليم، اي تعليم المتلقين ما كانوا يجهلونه. (3) كلاهما يؤثران بالأحداث والشخوص ويتحكمان بهما. (4) كلاهما يحتفلان بما كان يرغب به الإنسان في حياته كالنجاح في مهمة أو هطول المطر بعد الجفاف. (5) كلاهما يفتخران بحدث معين كالانتصار في حملة صيد أو في معركة ضد العدو. (6) في كليهما متعة وتسلية للمتلقين ولكنها تسلية بريئة وليس بذيئة كما يحدث في المسرح التجاري عندنا. .
من الناحية الأخرى هناك فرق ضئيل بين الممارسة الطقسية والممارسة المسرحية، حيث إن الطقس في الغالب يأخذ الطابع الديني بينما يأخذ المسرح الطابع الدنيوي كما أن المتلقي يشارك المؤدي في الطقس في حين أن المتلقي في العرض المسرحي قد لا يشارك وإنما يبقى مراقباً.
بعد كل المشابهات بين الطقس والمسرح والفرق الضئيل ألا يستحق الفن المسرحي التقديس وهو يروم الوصول إلى الأهداف النبيلة المشار إليها أعلاه، وفي البلاد المتقدمة حضارياً وثقافة يحظى المسرح بالتقدير البالغ الذي يصل إلى مستوى القداسة وترسخت لممارسته تقاليد تتوارثها الأجيال ويعتز بها الجيل الماضي ويلقى رعاية خاصة من لدى الدولة، وهنا لا بد أن أشير أن (المسرح الوطني) وفرقته المسرحية في جميع تلك البلاد يتلقى دعماً مالياً مجزياً من الدولة سنوياً وذلك لأن كلفة الانتاجات فيه عالية جداً ولا يمكن تغطيتها من مردود بيع التذاكر. ومن باب التقدير والتقديس للفن المسرحي في تلك البلدان يعمد المسرحيون إلى إحياء التراث المسرحي وذلك بتقديم عروض مسرحية لمؤلفين ومخرجين فارقوا الحياة وتركوا بصماتهم وهنا لا بد أن نذكر (وليم شكسبير) في انكلترا حيث هناك في المدينة التي ولد فيها وهي (سترا دفورد) مسرحان يقدمان ليلياً إحدى مسرحياته ، وهناك في العاصمة لندن مسرح متخصص بتقديم مسرحيات شكسبير هما (الدويج) ومسرح آخر في مجمع (الباربيكان) هذا إضافة إلى ما يقدم من مسرحيات شكسبير في مسارح أخرى . وفي باريس فأن مسرح الكوميدي فرانسيز متخصص بتقديم مسرحيات مولير كاتب الكوميديا المشهور .
في بلادنا اضطرت الدولة للاعتراف، بأهمية الفن المسرحي كواجهة ثقافية وحضارية ووسيلة تعليمية وتوعوية وبناء على ذلك تأسست معاهد للفنون الجميلة ومنها الفن المسرحي في عدد من المحافظات، وتأسست أقسام للفنون المسرحية في الجامعات الرئيسة في العراق وفي كل عام تتخرج فيها اعداد كبيرة من المدرسين يجد البعض منهم فرصاً للعمل مع الفرق المسرحية، واعترافاً بقيمة الفن المسرحي وأهميته الثقافية فقد تمّ تشريع قانون خاص لتشكيل الفرق المسرحية تعرض للتعديلات على وفق تغيّر الظروف وتطوّر العمل المسرحي في العراق.
ومن الجدير بالذكر قيام البعض من فناني المسرح ودارسيه بتغيير نظرة المواطنين تجاه الفن المسرحي بعد أن كان الكثير منهم يزدروه ويعيبونه وأصبحوا ومنذ الخمسينيات من القرن الماضي يقدرونه ويبجّلون العاملين فيه ، وهنا نقصد ما يسمى بالمسرح الجاد أو المسرح الملتزم وليس المسرح الاستهلاكي المنحرف .
أهم واجب علينا لتقديس المسرح وواجب علينا أن نقف ضد تدنيسه.