TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > دفاعاً عن (الليالي)

دفاعاً عن (الليالي)

نشر في: 2 مايو, 2010: 04:43 م

فريدة النقاشرغم التعديل القانوني الذي أدخلته الحكومة المصرية وألغت بمقتضاه حق الأفراد في تحريك قضايا الحسبة منذ عام 1995 وقصرت هذا الحق علي النيابة العامة فمازال هناك أفراد يحركون قضايا حسبة ويقبلها القضاء.
كان الإلغاء قد جاء في حالة حماس وحرج إثر فضيحة مدوية سنة 1995 حين قضت محكمة بتطليق الدكتورة (ابتهال يونس) من زوجها الدكتور نصر حامد أبوزيد بدعوى أنه مرتد، وكان الحكم مترتبا علي قضية حسبة حركها تكفيريون وظلاميون ضد حرية الفكر وحق النقد والمساءلة.لكن الإدارة المصرية آثرت أن يبقى السيف مسلطا علي رقاب المثقفين والمبدعين وحرياتهم فاختصت النيابة وحدها بتحريك مثل هذه الدعاوى حتى لا يظن المثقفون والمبدعون أنهم باتوا في مأمن، ورغم ذلك ماتزال النيابة تقبل قضايا الحسبة من الأفراد ضاربة عرض الحائط بالتعديل القانوني متجاهلة أيضا كل ما يترتب على مثل هذه القضايا من فضائح وممارسات معادية لحرية الفكر والتعبير.ومرة أخرى خلال ربع قرن يحرك البعض قضية ضد نشر ألف ليلة وليلة وهي هذه المرة موجهة ضد هيئة قصور الثقافة ورئيسها الدكتور (أحمد مجاهد) والمسؤولين عن سلسلة (الذخائر) لأنهم أعادوا نشر (ألف ليلة وليلة) والتي هي كتاب العرب الفريد الذي يقرأه العالم منذ مئات السنين ومايزال حتى الآن يترجم إلي لغات عديدة، وقد دخل في التراث العالمي كإبداع عربي وعلامة من علامات ثقافتنا، وقدرتها الفائقة على التفاعل والتلاقح مع ثقافات الهند وفارس واليونان وبيزنطة. وكانت الليالي وماتزال موضوعا للدرس الأكاديمي من جامعات العالم كافة وكتبت عنها الأستاذة الناقدة الراحلة سهير القلماوي رسالتها للدكتوراة تحت إشراف طه حسين ومن معطف الليالي الواسع خرجت أشكال التجديد في السرد الروائي والقص، وكانت حكاياتها وماتزال كنزا لا يفنى لأدب الأطفال وللأدب الخيالي عامة، وإذ السحر صنو للفن الجميل بل إن (الليالي) تنطوي علي حكمة السنين وتستخلص حكاياتها العبر من صروف الزمان والإنسان والجان وإذ الثراء فيها بلا حد، وفيها إدانة أخلاقية وإنسانية دافعة لكل أشكال التسلط والعبودية وإعلاء لشأن قدرات المرأة بذكائها وخيالها على الانفلات من أسر الأبدية الخانقة. ويظن هؤلاء المتطاولون على ما في تراثنا من جمال وحكمة أن كلمة عابرة هنا أو واقعة جنسية مكشوفة جاءت في سياقها هناك تهدر القيمة العليا لهذا الكتاب، وتجعل منهم أوصياء على عقول وقلوب القراء كأنما هؤلاء القراء هم مجموعة من الأطفال تجوز الوصاية عليهم وتأديبهم وتعليمهم حسن السلوك. ويتماهى هؤلاء الأوصياء الجدد مع حكام أدمنوا فرض الوصاية الأبوية علي شعوبهم وتقييد حرياتهم وإفقارهم ماديا ومعنويا وتوسيع دائرة المسكوت عنه في دعوة للتواطؤ والنفاق.وينتمي هؤلاء الأوصياء فكريا وروحيا للجماعات التي تسعى لإقامة دولة دينية ديدنها قمع الحريات العامة باسم الدين، ومراقبة سلوك البشر وما يقرأون وما يتذوقون مع سلسلة من الوصايا والنواهي والمحرمات تحول حياتهم إلي جحيم على الأرض، وتقتل فيهم ملكات الإبداع والنقد وتصادر على البحث العلمي الذي لسنا بحاجة إليه لأن كل ما نبتغيه قد وجد فعلا بعد أن سخر الله سبحانه لنا قوما ينتجون لنا العلم وتطبيقاته لكي ننعم نحن به على حد قول أحد الشيوخ وما ذلك إلا لأننا مسلمون، وهو ما يعني أننا بحكم إسلامنا معفيون من إنتاج الحضارة، بل إن ما أنتجناه منها سابقا مثل (الليالي) نعيد فحصه بعيون كليلة وأرواح معتمة وقلوب فظة وعقول جرى إغلاقها دون الهواء والنور، وحيث تتم في الخفاء عمليات (تطهير) إجرامية لا لكتب التراث فحسب وإنما حتى للأعمال الروائية المعاصرة.وتدعونا هذه الخطوة الجديدة إلي مواصلة الكفاح ضد الظلام علي جبهتين، أولا دعوة القضاء لعدم قبول قضايا الحسبة مع إلغاء حق النيابة وحدها في تقديمها حتى نغلق هذا الباب نهائيا ونعلي من شأن الدستور الذي يصون حرية التعبير والإبداع والفكر. ثانيا أن يتكاتف المثقفون من كل المنابع في إطار منظماتهم النقابية للدفاع عن (الليالي) باعتبارها جزءا من الذاكرة القومية تفخر به أي أمة مهما كان عنف المناوئين للحرية ولحق الجمهور في المعرفة والتذوق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram