اغتيل دي ميللو في لحظة تحول أرادها، بعد صدور قرار مجلس الأمن (1500) ان تكون خطوة اخرى لتعزز سلطة العراقيين، وإحراج سلطة الاحتلال.
أغتيل على أيد تغتال يوميا آمالنا وأحلامنا ونضالات شعبنا اليومية لانتزاع سيادة بلادنا واستقلالها وبناء عراق جديد ديمقراطي حر الإرادة والاختيار.
وإغتياله استكمال لإغتيالات يومية تستهدف مصادر حياة المواطنين: تفجير أنابيب النفط والمياه، ونسف محطات الكهرباء، ونهب الممتلكات العامة والخاصة، وخطف الأطفال والبنات، وقطع الطرق.ولأن دي ميللو حالم مثلنا، كان يسكنه هاجس أولئك الذين قدر لهم ان يكونوا من رعايا العالم الثالث.. المسكون هو الآخر بأشباح الاستبداد والظلم والفقر المدقع والتخلف وفظاعات الدكتاتوريات والمافيات والطغم العسكرية.
ولأنه كان كذلك، قبل ان يأتي الى العراق، مراهنا على وطنية العراقيين، وعلى براكين غضبهم التي ستحيل مشعلي الحرائق الى وقودها. وتمسك بزمام المبادرة الوطنية لمواجهة القتلة واللصوص بكل الوسائل المتاحة، وهو ما نراهن عليه جميعاً.
وهم إذ يفعلون ذلك يؤكدون قدرتهم على التفوق سياسيا على هؤلاء، وعلى المحتلين الذين يجهلون طبيعة شعبنا، ويعجزون عن تأمين ابسط مستلزماته الحياتية، لا الأمن الذي يبدو عصيا عليهم، بل الماء والكهرباء.
لم يكن خافيا على الدبلوماسي دي ميللو، العارف بخفايا الأمور، حالة الترهل والشلل اللذين أصابا المنظمة الدولية نتيجة الهيمنة الأمريكية، ولأنه أدرك هذه الحقيقة، رأى أن يكون قوة ضغط ايجابية تستقطب أوسع القوى والتجمعات السياسية العراقية لاستيعاب عناصر الأمر الواقع للتعاطي معها من موقع الرفض المتفاعل من جهة وينتزع من سلطة الاحتلال ما يمكن انتزاعه من صلاحيات ومهام للعراقيين الذين هم أدرى بشعاب وطنهم، واقدر على حل معضلاته من جهة ثانية.
فالقتلة.. لم يستهدفوا اغتيال دي ميللو الإنسان، بل إرادته التي شاءت أن تتوحد في هذه المرحلة مع إرادة العراقيين للامساك بمقدرات دولتهم التي هدتها الدكتاتورية والاحتلال.
وبذلك فضحوا مقاصدهم المشبوهة، وكشفوا زيف ادعاءاتهم برفض الاحتلال "ومقاومته" وظهروا كما هم في الحقيقة أشباه رجال، مجرد قتلة، لصوصا وقطاع طرق، ومنتهكي أعراض بناتنا.
وفضحوا بذلك أيضا كل أولئك الذين رأوا فيهم خلاف هذه الحقيقة، أولئك الذين لا يغيظهم الاحتلال الاميركي للعراق ولا تقييد شعبه، وإنما امكانية نهوض العراق، وطناً شامخاً ديمقراطياً سيدا معافى.
ويغيظهم أكثر، قدرة العراقيين على ابتكار أساليب فعالة جديدة سياسية لكسر شوكة الاحتلال، عبر إعادة اصطفاف قواه الوطنية لبناء تجربتهم الديمقراطية، عراقية الهوية والملامح بإرادتهم لا بوصاية المحتلين.
إنهم لا يريدون عفو العراقيين الذين جرحت كرامتهم الوطنية قنواتهم الفضائية ووسائل إعلامهم عندما سوقت صدام حسين وبررت جرائمه وانتهاكاته لكل القيم، وظلت تلهج ببطولاته حتى لحظة السقوط بل يصرون على إهانة المشاعر الوطنية العراقية، عندما يتبنون ورئته المأجورين.
لكننا لسنا مبرئين من دم دي ميللو، وزملائه، ودماء أبناء شعبنا، والخراب الذي يحل بوطننا.
إن سلسلة الاغتيالات فضائح وإدانات: لنا.. نحن العراقيين بكل وطني غيور منا يفضل خلاصه الشخصي، وللأحزاب المتربعة في مجلس الحكم، وتلك التي تستكين داخل مقراتها، خارج مجلس الحكم، فهي تؤكد بهذا الغياب او التغييب تهاونها واستكانتها وقبولها بالتهميش، وعجزها عن المبادرة لصياغة موقف شعبي يستنهض القوى بكل الوسائل، لملاحقة المجرمين وتأمين سلامة المواطنين وثروات البلاد.
وعليهم جميعا ان يدركوا ان النضال لاستعادة سيادة العراق واستقلاله لا يبدأ إلا بتصفية مخلفات صدام حسين وإيقاف مسلسل القتل والتخريب.
يبقى إن سلطة الاحتلال وقواتها، لا تحتاج الى فضيحة، يكفي أنها تشبعنا يومياً بالادعاء والوعود ويكفي أنها عجز عن حماية الشهيد دي ميللو!