.. أعزائي القراء.. هذا لقاء تاريخي فريد بكل المعايير.. فليس متاحاً لأي صحفي أن يلتقي رئيساً دوّخ العالم طيلة ثلاثة عقود ونيف.. من دون بروتوكولات ولا حراسة ولا تفتيش وبلا كاميرات وخارج القصور الرئاسية..
رئيس كان يرتدي ملابسه بمساعدة فريق من خبراء كريستيان ديور وأشهر دور الازياء والاحذية واليشامغ، ويخلط اساسات قصوره بصفار البيض أو بياضه ويختار كرسيه الرئاسي، حسب طول زائريه، لكي يظل دائما فوق..
هذا الرئيس "الفلتة" يفترش اليوم حصيرة على ارض "سكيفة" يحتمي بها الفلاح اثناء الزراعة والحصاد، حليق الشاربين مطلق اللحية تبدو عليه إمارات الإجهاد وفقر الدم..
صدام: ارجوك، إنها إمارات "الجهاد" و "المقاومة"
.. عفواً .. يعلم الله انه لم يستحم منذ بضعة أسابيع، وهو الذي كان لا يدخل الحمام قبل ان يعقّم "بخلطة" من العطور الباريسية المصنوعة خصيصاً بأشراف أخلص مقربيه، ثم، "ينقّع" جسمه بمساحيق لم تستطع قوات التحالف الوصول إلى تركيبها لكي يستخدمها المستر بريمر بعد ان أقام في قصره.
صدام: بلا مبالغة.. لم أنقع بهذه المساحيق، بل قال طارق عزيز ان "مدام بوفاري" كانت تترطب بها قبل الدخول الى البانيو لكي يمتص الجلد روائح العطور وتفوح اطول فترة.
.. هل لا تزال تفوح منك بعد هذه المدة؟
صدام: أنت تعلم، ان ظروف العمل السري تقتضي التخلص من كل الآثار التي تساعد العدو على الاستدلال عليك.. خصوصا بعد ان تعرفت كلاب الملاحقة المدربة على الروائح التي كنت استخدمها!!
.. عفواً مرة اخرى.. ولكنها رائحتك..
صدام: ما هذه الكلمة.. هل هي مديح؟، انا لم اسمع بها اطلاقا.
.. طبعا طبعا، وهل كان احد يجرؤ على التفوه بها؟
صدام: على كل حال.. إن للنضال السري والمطاردة والكر والفر رائحته الخاصة، خصوصاً مع الصعوبات المتزايدة.
هل هذا الحمار المربوط لك؟
صدام: نعم انه من أدوات العمل السري، فالأمريكان أغبياء، إنهم يبحثون عني في بيوت مرفهة، وسيارات فخمة، ولا يخطر ببالهم اطلاقاً إن صدام حسين أذكى منهم واقدر على التمويه، لقد انتقلت الى أساليب جديدة حتى على الاحزاب التقليدية، فآخر مرة تنقلت بين تكريت وسامراء بصفتي "مجاري" أقود عدة حمير محملة "بالجت".
.. غريب..
صدام: لا غرابة.. قبلها تنكرت ببدلة عمال التنظيفات، وتعلقت مثلهم بخلفية السيارات، بل عند أحد حواجز "العلوج" ترجلت ونقلت بضعة براميل من الاوساخ الى السيارة، بل تحديتهم، عندما اقتربت منه والتقطت بعض الفضلات وعندما قال لي احدهم. Good man اجبته انجب!! فقال thank you ، غبي لم يفهم!
.. وماذا تأكل؟
صدام: كل ما تيسر من مواجيل الفلاحين، انهم في غاية الكرم.
.. وهل يعرفونك..
صدام: طبعا لا.. ولهذا اضطر ان آكل مما يتبقى من موائدهم لكي اقنعهم بشخصيتي الوهمية، وعندما يشكّ بي احدهم اضطر الى الانتقال وتغيير شخصيتي.
.. اليس هذا صعبا وانت في هذا العمر؟
صدام: مكره أخاك لا بطل، ثم انها مسألة حياة او موت.. وما قيمة هذه الصعوبة اذا ما قورنت بمتعة السلطة والهالة التي تحيط بها؟
.. السلطة؟
صدام: طبعاً، أنت لم تجرب السلطة، وما تضعه بين يديك من قوة، تصور ان يكون العراق بعجزه وبجره تحت تصرفك، ما ان تقول افتح يا عجر يفتح، افتح يا بجر يفتح!!
انها مذلة وبهذلة وطيحان حظ ان تتسلت مثل الجرذان، من حي الى حيّ ومن مدينة الى مدينة، وتستبدل الملابس والمراكيب، ولكن كلها تهون مقابل إحساسك بالجبروت..
.. في هذا الوضع المبهذل كما تقول؟
صدام: بعد أكثر من ثلاثة عقود في السلطة، يختلط الوهم بالحقيقة بهذلة، ورزالة لكنني أبو أم المعارك والحواسم والمخاشن، وان اقتضى الامر أبو طيحان الحظ، المهم أنا أبو.. يالها من عيشة..
صدام: انها تجربة، اتحدى كل رؤساء العرب ان يجاروها.. أين المرحوم عبد الامير معلة ليكتب هذه الملحمة التي هي خاتمة الأفراح والأتراح، يكفي أن تتخيل أن اسمك يتردد في كل لحظة ويكتب في إعلانات المطاردة wanted saddam وأن أقوى جيش في العالم يطاردك، وإن قناة "الجزيرة" تبعث اليك وسطاءها السريين ليسجلوا لك الرسائل الصوتية، وتتنافس عليك الفضائيات وحتى الجعفري رئيس التنقلي لحكماء المجلس يذكر اسمك في جولاته.
.. تقصد الجعفري رئيس مجلس الحكم الدوري
صدام: بلا حكم ، بلا قزل قرد.
..عفواً لنعد الى حياتك الحالية.. هل صحيح ان سبل الحياة ضاقت بك، بعد مقتل عدي وقصي، والقاء القبض على رمضان وعبد حمود؟
صدام: أولاً قصي وعدي ، لان الشعب يجب ان يعرف انه الوريث وان من قتل هو شبيهه!! ثم لا تذكر هذا "الطرطور" رمضان، لقد فلت مني، وكان علي ان اطره خمسين طره.
.. عودة الى وضعك الآن.
صدام: بعون الله وتأييد معن بشور وعبد الباري عطوان ومحمد المسفر ومصطفى بكري ومن لف لفهم، انني اخوض تجربة جديدة ستضاف الى ام المعارك والحواسم، وسأرفع رأس الامة التي اعتادت على الانبطاح امام العواصف انها معركة "المخاشن".. التي سيخلّدها التأريخ.
.. مخاشن؟!
صدام: من الخشونة، وهذا الخش الذي افترشه الدليل القاطع! عفوا جاء "السميط" فلنتوقف.
.. دخل فلاح مجرذم يحمل صحن فافون، لم اميز ما فيه..مع رغيف خبرز يابس وتنكة ماء..
يالنكبات الدهر.. أهذا هو من كانت موائد جميع قصوره في بغداد، تجهّز بكل ما لذ وطاب مستوردة من كل اصقاع العالم كانه سيأكل فيها جميعا، بينما يجوع الشعب ويهترئ البلد؟
صدام: بسم الله، ولا تتأفف، انا اعرف انك تفكر بي.. تذكّر الحكمة العربية، من يضحك اخيراً يضحك كثيراً، وسأضحك في كل الاحوال!!
"للحديث صلة"