اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > المصالحة الوطنية،.. والديمقراطية (2)

المصالحة الوطنية،.. والديمقراطية (2)

نشر في: 15 يناير, 2004: 07:17 م

إبراء وعينا من مفهوم وقيم “المستبد العادل”!

“المصالحة الوطنية”، و “التسامح” و “نبذ العنف”

مفاهيم نبيلة تحمل قيماً ايجابية لبناء مجتمع متوازن، وحياة سياسية تتطور وفق منطقها الموضوعي دون هزات وانهيارات،

في إطار صراع الافكار والآراء والمصالح، تفضي الى اصطفافات تنقل المجتمع وتعبيراته السياسية الى تغيرات نوعية، متطابقة او مشوهة، تبعاً لأبعاد الصراع وقواه ووسائله.

لكن هذه المفاهيم المجردة، انما هي مصطلحات فضفاضة تنطوي على قيم ودلالات مختلفة، تبعاً للمواقع الفكرية والسياسية وتوازن القوى والمصالح.

و “الاستبداد” في التأريخ السياسي، من وجهة نظر معينة ، هو نوع من المصالحة وخلق التوازن والاستقرار الاجتماعي والسياسي، عن طريق “الإلغاء” و “تجميد الصراع” و “تطويعه” و “نفي الآخر”!

هذا المفهوم ينتج اعتى الطغاة في التأريخ، تملأ تماثيلهم ومأثوراتهم المدن والزوايا المظلمة من بطون الكتب، تستحدث فلسفة الاستبداد السياسي توصيفات لهم تستدرج الوعي الانساني الى تمثلها، باعتبارهم نماذج “للعدالة”، “كقادةً عظام” ، “و مصلحين افذاذاً” و “رموزاً “ للبناء والتطور. و “المستبد العادل” في الحكم هو اشد هذه التوصيفات تخريباً للوعي السياسي، وتشويهاً لمنطق التطور، وتدميراً لعناصره ومكوناته.

“والمستبد العادل” ، لا يراعي ولا يأبه، من وجهة نظر التأريخ المبتذل، بالتفاصيل، إذ قد يستلزم إعداد العدة لحرب بقصد الفتح والتوسع والضم، التضحية بنصف الشعب وكل ثرواته.

وقد يتطلب إسكات “فتنة” ضد فئة متسلطة او حاكم جائر تجييش عساكر يقودها مخبول لا دين له ولا إنصاف، مع انه يرفع علم الاسلام وشهادة لا إله إلا الله.

شعاره:

ارى رؤوساً قداينعت وحان قطافها وأني لصاحبها! ويطير صيت صاحب هذه الراية والرؤوس “الحجاج بن يوسف الثقفي” في الاصقاع والامصار،.. ويعيّر به العراقي حتى اليوم، إذ يقدم كنموذجٍ لشعبٍ متمردٍ ،.. ضالٍ و دموي، لا ينفع معه حاكم غير “الحجاج”،.. وحفيده صدام حسين، الذي راق له التشبه بجده فاستعار منه لعلم العراق، “ شهادة الله اكبر”.

وقد يتخذ “المستبد العادل” وجوهاً ولبوساً اخرى:

بُناة مدن، ومآذن، وقصور، وجسور، وجنائن معلقة، وصك نقود، وإسكات هرطقة، وتأسيس جيش، وإعلاء حياض امة او شق انهار وسدود.

واذا كان صدام حسين، والقذافي وعلي عبد الله صالح، ولن اتطاول فأستذكر -جمال عبد الناصر وزملاء له خشية الشطط والتجني والابتسار حيث يتطلب الأمر التحليل العميق المتروي-، هم نماذج “الاستبداد العادل”في حياتنا السياسية المعاصرة كما يقدمهم دهاقنة السياسةمن “محللين قومانيين” وسماسرة بائعي ذمم ومنظمي مؤتمرات قومية من وعاظ السلاطين وخدم سدنتهم. مع ان المأثرة الكبرى لهؤلاء تتجسد في تشويه مفاهيم “الوحدة” و” العدالة” و “الاشتراكية”و سلب حريات الناس وتبديد ثروات البلاد بإسم شعاراتها، وتحبيب جور الملوك والسلاطين والأمراء لمظلومي الامة المنكوبة المغلوبة على امرها.

اذا كان هؤلاء هم نماذج المستبد العادل في الحكم فإن اشباههم من النماذج الحية هم من على شاكلة بن لادن وصحبه دعاة الذبح على الطريقة الاسلامية من امراء الجماعات ومنظريهم في الجزائر وافغانستان ومصر وغيرها.

وهم مفجرو الافخاخ البشرية في العراق، قتلة النساء والاطفال والشيوخ، هؤلاء جميعاً من تربع منهم في دست الحكم أوالطامعون ببلوغه إنما يمثلون نماذج دعاة “الاستبداد العادل” ومريديه.. ، افسد وعيهم اليقين الزائف والدعوة المحرّفة والادعاء الباطل بالدين والتدين.

… ***

وفي وعينا المعاصر ترسخ مفهوم “الاستبداد العادل” وتعددت نماذجه وأنتج “يميناً”، “ويساراً” ،” قومياً”، “وطائفياً”،... تمترس كل واحد منهم في خندقه :-

مناضلاً في سبيل الاشتراكية،...

مدافعاً عن العدالة الاجتماعية

مكافحاً في سبيل اعلاء راية الامة وانجاز وحدتها القومية

نصيراً وداعيةً لنشر الدين الحنيف وإحياء فروضه.

وفي وعينا اليومي بعد انهيار دولة الاستبداد في العراق يتوحد كل هؤلاء الدعاة والمناضلين والمكافحين والانصار على اختلاف مشاربهم واطيافهم ومرجعياتهم تحت راية الديمقراطية..

لكن شبح المستبد العادل يظل يسري تحت جلود كثير منهم وفي دمائهم وتتلبسهم هواجسه وأحلامه...

ولربما يرى كل واحدٍ منهم في نفسه مشروع مستبدٍ عادل!

******

ان بناء عراق جديد ديمقراطي تعددي متنوع الاعراق والأديان والتوجهات والمذاهب، واستنهاضه للارتقاء به وبشعبه الى مصاف الحضارة الانسانية، بعلومها وثقافتها وفنونها وقوانينها وكل ميادين تطورها، لن تقوم له قائمة او يستقر له قرار قبل “اجتثاث” مفاهيم وقيم ورموز “الاستبداد العادل” من وعينا وسلوكنا وممارساتنا.

وقبل ان نتوافق في كتلة تأريخية، أحزاباً وتجمعات وأفراد على إعادة تقييم رصيد تجربة العقود الخمسة من تأريخنا الدموي للتخلص من ادران الفلسفة المضللة التي يعاد إنتاجه، في كل مرحلةٍ وعقد.

واللحظة التاريخية الراهنة للعراق، تمنحنا مثل هذه الفرصة النادرة، لنحولها بالاستناد إلى قوانين التطور الى انقطاع عن فلسفة الاستبداد وإرثها..، وتوارث للقيم والمعاني والرموز العظيمة في تأريخ العراق.

لحظة انبعاث العراق وحرق كفن الحجاج وأحفاده!

لحظة بناء الانسان العراقي المتوثب لإحداث نقلة نوعية من الإرث المظلم الى مشارف الديمقراطية.

لحظة تكريس القيم والرموز العظيمة للعراق العظيم..

ثورة العشرين وقادتها،...

ابطال التحرر والانعتاق والحريات،...

دعاة الإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي،...

المبدعين الخلاقين لمنجزات العلم وقيم الثقافة والفنون،...

عندها فقط نتعافى ويمكن أن ننهض...!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

اليوم ..خمس مباريات في انطلاق الجولة الـ 36 لدوري نجوم العراق

بدء التصويت في انتخابات فرنسا التشريعية

"واتساب" يختبر ميزة جديدة عند الفشل بارسال الصور والفيديوهات

تطوير لقاحات جديدة للقضاء على الحصبة نهائياً

الأونروا: سكان غزة فقدوا كل مقومات الحياة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

الستراتيجيّةُ العمياءُ وراءَ فاجعةِ الكرّادة..

في حُمّى "الهَلْوَسةِ السياسيّةِ" استرخى وزراءُ "الغَمْغَمَةِ" واللَّك..!

بينَ اليأسِ والإحباط مساحةٌ مضيئةٌ للصمت ..!

الموت حين يُصبح طقساً عابراً بلا مراسيم تشييع للفقراء .!

"بــيــروت مـــديـنـتــي".. وعـيـــنٌ عـلـــى بــغــداد ...

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram