علاء المفرجي
منذ أن قادتنا خطواتنا الأولى الى الصالات المعتمة لمشاهدة الأفلام في مراحل مبكرة من حياتنا، كانت متعتنا الوحيدة هي تقليد الشخصيات التي نراها مجسدة أمامنا
تنسج أحداث الفيلم بمواهب ممثلين كبار ليصل الأمر حد التماهي مع هذه الشخصيات، وإهمال باقي عناصر الفيلم المهمة الأخرى.. فالذي بقي عالقاً في الذاكرة شخصية سبارتكوس بأداء كيرك دوغلاس ، وليس بالقدرة الإخراجية العظيمة لكوبريك.. وهكذا مع شخصية زوربا، والأمر نفسه مع مارلين مونرو في (البعض يحبونها ساخنة) وشارلي شابلن، والكثير الكثير من الشخصيات التي كنا نراها بمرآة الموهبة الكبيرة لممثلين عظام.. ومازلنا نتذكر فيلماً عربياً شاهدناه قبل أكثر من أربعة عقود تجلت فيه هذه المتعة التي كنا نعيشها، هو فيلم (عفريت مراتي) الذي تقوم بطلته شادية بتقمص شخصيات الأفلام التي تراها بداية كل أسبوع (ابرما لادوس)، (غادة الكاميليا) لتمسخ بها شخصيتها الحقيقية، مما يتطلب عرضها على طبيب نفساني وهكذا فإن المتعة الحقيقية عند مشاهدة الفيلم كانت في متابعة قدرة الممثلين على تجسيد شخصيات القصة المصورة لتكون قريبة منا ومن تفاصيل حياتنا نتذكر كل ذلك، ونحن أمام التطور التقني المتسارع في صناعة الفيلم والذي لم يقتصر على ابتكارات أحدثت ثورة كبيرة في كل تفاصيل هذه الصناعة، بل امتد ذلك الى إعادة تشكيل ذائقة المتلقي بما ينسجم وهذا التطور.. ومتعة التماهي مع شخصيات القصة الفيلمية التي كانت في مرحلة من مراحل تطور هذه الصناعة المتعة الكبرى بالنسبة للمتلقي هي الأخرى تأثرت بزحف التكنولوجيا.. وابتداءً من نهاية تسعينيات القرن الماضي بدأ بعض صناع الافلام باستخدام مجموعة كاملة من الشخصيات البشرية المسيرة بواسطة الكومبيوتر، وتدشين مرحلة جديدة من الفن السابع.. وأخيراً وليس آخراً بأفلام مثل آفاتار، دخل هؤلاء (أي صناع الافلام) مرحلة تجعل الممثلين يتوجسون خيفة من اليوم الذي يأخذ مكانهم فيه ممثلون تصنعهم الآلة.. ممثلون رقميون يبدون مسلوبي الإرادة أمام رغبات المنتجين، ولم يقتصر الأمر على اهتمام شركات الانتاج بإنتاج أفلام من هذا النوع، بل تعداه الى تخصيص جائزة أوسكار لهذا المجال. فصناع هكذا أفلام وكعادتهم في طرق أساليب جديدة، تكفل لهم إيراداً أعلى، بوصف أن ذلك هو الدافع الأساس لنشاطهم، لذا فليس غريباً أن يكون هناك متحمسون لهذا النوع من الأفلام، خاصة إنهم يرون في هذه الشخصيات دقة تفوق الشخصيات الحقيقية في تفاصيلها الواقعية، كخصلات الشعر وتحريك النظر، ولكنهم يتناسون أمراً مهماً في الاداء، ذلك هو قدرة التعبير الذي لا يتوافر لشخصيات مصنعة. وإن كانت هذه الأفلام قد أثارت استياء ممثلين ومخرجين كبار إلا إنها أصبحت حقيقة واقعة.. مثلها مثل أية ظاهرة سينمائية أخرى.
وهو أمر ليس بجديد على صناعة الفيلم، الذي شهد عبر أكثر من مئة عام من تاريخه الكثير من التطورات التقنية الكبيرة والتي عصفت بالتالي قبلها بشكل كبير.. فمن دخول الصوت، الى الألوان، الى التطورات الرقمية التي شملت جميع مفاصل هذه الصناعة.
وكل هذه التطورات تدخل في تحد مستمر ضد كل من يقول بموت السينما. فماالذي يخبئه هذا الصندوق السحري لعشّاقه في المستقبل.. فنحن على يقين من ذلك.