سامي عبد الحميد
تقوم إدارة فرقة المسرح الوطني في البلاد المتقدمة مسرحياً بوضع خطة قصيرة الأمد وأخرى بعيدة الأمد.
وتعتمد الخطة القصيرة الأمد على انتاج عدد من المسرحيات خلال السنة أو الموسم الواحد. وتعتمد أيضاً على نظام الخزين المسرحي (ربرتوار) الذي يتضمن إعادة عرض أعمال مسرحية معينة خلال الموسم وإيقاف عروض معينة وإضافة عروض مسرحية جديدة.. وهكذا.
للأسف لحد اليوم لم تفعل الفرقة الوطنية للتمثيل شيئاً من هذا القبيل كما كانت تفعل في السبعينيات من القرن الماضي، وهناك أسباب عديدة لهذا التقصير ومنها التغيير المستمر للمدراء العامين لدائرة السينما والمسرح أولاً، ووجود ما يشبه البطالة المقنعة لأعضاء الفرقة الوطنية حيث ترى الأغلبية منهم لا يشاركون في الأعمال المسرحية الحالية ثانياً . وعدم التزام إدارة الفرقة بنظامها المشرّع رسمياً والعمل بموجب مواده ثالثاً . وعدم تخصيص ميزانية خاصة للفرقة وانتاجاتها رابعاً.
يؤدي وضع برنامج سنوي لأعمال الفرقة الوطنية إلى تأسيس مبدأ المسرح الدائم من جهة والى تنوّع في المسرحيات التي تُقدم والأساليب التي تستخدم في انتاجها من جهة أخرى وتشغيل جميع أعضاء الفرقة من جهة ثالثة. ومن المحبذ أن يحتوي البرنامج مسرحيات لمؤلفين عراقيين وأخرى لمؤلفين عرب وأخرى لمؤلفين أجانب ويؤدي وضع خطة سنوية للانتاج المسرحي تحدد فيها أنواع المسرحيات التي تقدم في الموسم المسرحي والى عدم تزاحم العروض المسرحية في مدة معينة بحيث تحار إدارة الفرقة في كيفية توزيع قاعات التمارين وتحار في كيفية توزيع المسارح التي تعرض فيها تلك المسرحيات.
وتحتار أيضاً في كيفية توزيع مبالغ ميزانيات إنتاج المسرحيات كما حدث في موسم عام 2018 اعتباراً من الشهر الثالث وحتى الشهر الخامس.
نعم ليس هناك من فرقة مسرحية رصينة في العالم لا تهيء خطة لمشاريعها الانتاجية وهنا أضرب مثلاً لذلك (فرقة شكسبير الملكية) في انكلترا حيث تقدم كل موسم عدداً من مسرحياتها في مسارحها في مدينة (سترا تفورد ابون ايفن) إضافة إلى مسرحيات مستضافة لفرق أجنبية كما حدث عندما استضافت فرقة مسرحية عراقية لتقديم مسرحية بعنوان (روميو وجوليت في بغداد) للمخرج مناضل داود واستمر عرضها لأحد عشر ليلة. وأضرب مثلاً آخر من المسرح الانكليزي هو (فرقة المسرح الوطني) في لندن ففي عام 2016 خصصت هذه الفرقة موسماً مسرحياً للكاتب المسرحي الروسي الشهير (انطون جيكوف) وقدمت له عدداً من مسرحياته ضمن برنامج الربرتوار. وأضرب مثالاً آخر من المسرح الفرنسي حيث تبرمج (فرقة الكوميدي فرانسيز) سنوياً لتقديم أعمال الكاتب المسرحي الكوميدي الشهير (مولير) وتقدم البعض منها بالأسلوب الاخراجي نفسه الذي كان ذلك الكاتب الساخر يستخدمه في زمنه وأذكر هنا بأنني كنت محظوظاً لمشاهدة مسرحيته (مريض الوهم) وكان المسرح الذي يتسع لأكثر من ألف متفرج مليئاً في وقتها .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الفرق المسرحية الرصينة في العالم الآخر تعتز بتراثها المسرحي حيث تقوم بإحياء مسرحيات قديمة لمؤلفين ومخرجين بارزين كانوا قد رحلوا ولكن تراثهم يبقى محل اعتزاز المعاصرين من العاملين في حقل المسرح ولذلك يضعون في خططهم السنوية إحياء ذلك التراث وربما لرؤى جديدة . أما هنا في العراق فإن الجيل المسرحي الجديد قد نسي إبداعات الرواد وراح يتنكّر لها أحياناً متناسين أن أولئك هم الذين علموهم وفي ذلك نكران للجميل.