فخري كريم
ليس صحيحا ان الحكومة كما يقال "طائفية"، مثلما هو حال الاحزاب والقوى المشاركة في العملية السياسية، او المعارضة لها.
فكل طرف فيها ينبذ الطائفية بطريقته الخاصة، مرحّلا تهمتها الى الاخرين. وهي كلها تتجاوز طائفيتها كلما تسنى لها ذلك في المنعطفات السياسية شرط ان لا تمس سلطتها او امتيازاتها او تقترب من القضايا العقدية التي يتوقف على حلها مصير الدولة والبلاد.
كلها تتصرف " بغيرة " نُحسد عليها، كلما تعلق الامر بوحدة العراق، او بسيادته واستقلاله كما يحسد العراقي ايضا على ردود الافعال السريعة التي تميز كل هؤلاء عندما يداهمنا خطر خارجي، عربيا كان هذا الخطر، ام اقليميا ودوليا.
قادة الدولة والعملية السياسية، بل والمعارضة ايضا بمن فيهم حملة السلاح، سرعان ما يلتقون على موقف مشترك ضد هذه الاخطار والتدخلات.
بل اكثر من ذلك، انهم يلتقون مستبشرين ايضا، في مناسبات الافراح، مثل فوز منتخبنا الوطني، او فوز شذى حسون بلقب "سوبر ستار"او "أكاديمي ستار" لا فرق.
واخر مظاهر التكاتف "والغيرة الوطنية" التي جمعت الحكومة والقادة واطراف العملية السياسية، والكتل البرلمانية، تمثل بموقفهم الموحد ضد قرار الكونغرس الامريكي حول شكل الفيدرالية المقترحة للعراق الجديد.
انهم جميعا وقفوا بصرامة ضد التدخل الاميركي في "شأن عراقي خالص"، يشكل خطاً احمر يمس السيادة والاستقلال ...
ولا اعتقد ان وطنيا غيورا، عربيا كان ام كرديا، مسيحيا ام مسلماً، ينوي اليوم تقسيم العراق، او يوافق عليه، بغض النظر عن مفهوم التقسيم وحدوده ومحتواه، اذ ان بعض القومانيين القدماء والجدد، الصداميين وورثتهم، يعتبرون الفيدرالية ذاتها في إطار عراق ديمقراطي تعددي تقسيماً.
بل ويعتبرون مجرد التأكيد على حق الشعب الكردي في تقرير مصيره بإرادته الحرة، دعوة انفصالية، ويتهددون دعاته بالويل والثبور ما ان يستعيد العراق "عراقهم"، وليس "العراق الديمقراطي"، قواه المنهكة، ويسترجعون سلطتهم عليه !
وبغض النظر عن محتوى قرار الكونغرس، وعما اذا كان كل الذين أصدروا المواقف والبيانات وعقدوا الاجتماعات وفي مقدمتهم رئيس الحكومة، قد قرأوا بإمعان قرار الكونغرس ام انهم اكتفوا بمجرد الاستماع الى اختزالاته او تفسيراته في وسائل الإعلام العربية والعالمية، فان استنكار اي دعوة لتقسيم دولة العراق وليس التأكيد على إرادة شعبه في اختيار الفيدرالية نظاما للدولة، يحظى بدعم المواطنين.
والمثير للحيرة،.. اذا كانت "الغيرة الوطنية " هي دافع كل هؤلاء، ازاء التدخل الاميركي، فاين هي "غيرتهم" ودفاعهم عن سيادة البلاد واستقلاله، حينما يتسابقون الواحد بعد الاخر، الى واشنطن ويطالبون الكونغرس والرئيس بوش شخصيا "بالتدخل" الى جانبهم بكل مايمتلك من وسائل الدعم لمشاريعهم ؟
فهم اذ يتدافعون الى واشنطن والبيت الابيض والبنتاغون "ومرابض السيادة" الاخرى... يطالب احدهم بتعزيز مواقعه في السلطة، ويدعو الآخر إلى الإطاحة بالحكومة لفتح الطريق امامه للعودة الى رئاسة الحكومة، بينما تطالب أطراف سنية بحمايتهم من الحكومة الطائفية.
وتدعو أطراف شيعية، الى غض الطرف عن دعوة هذه الجهة او تلك لإضعاف الحكومة او العملية السياسية.
وجميعهم يدعون الى بقاء باتريوس وقواته في العراق إلى امد غير محدود...، يقررون هم ساعة الصفر عندما يتم استكمال القوى الذاتية لحماية امن المواطنين والبلاد.
والمثير للشجن أيضا، ان ساعة الصفر لاستكمال القوى من وجهة نظر كل طرف، لا يعني الا "استكماله هو" لقواه في معركة ليّ الأذرع ونحر الرؤوس ريثما يتسنى له تعزيز دوره في السلطة، وتتأمن له القدرة على تطويعها لصالحه.
لا احد يسال هؤلاء المتنابزين فيما بينهم على اقتسام السلطة وامتيازاتها، عن مدى "غيرتهم" على أوجه السيادة البسيطة الأولية "المنتهكة" من قبل القوات الأمريكية التي تمارس كل أشكال التجاوز والتعدي على المواطنين وسلامتهم، بل وعلى الوزراء والنواب ومؤسسات الدولة دون أي حساب أو رقيب حينما يطالبهم جندي أمريكي بالانبطاح!
بل ان شركة حماية أمريكية، تمارس حق قتل العراقيين عشوائيا، باسم الدفاع عن مدير شركة او مرافق أمريكي، دون حول أو قوة للدولة، بكل أركانها وعجزها عن اتخاذ أي موقف مسؤول إزاءها!
يا قادة الدولة والأحزاب والبرلمان والبلاد..
ان سيادة البلاد واستقلالها لا تنتهك بقرار من الكونغرس رغم أهمية الموقف منه، وبغض النظر عن ملابساته، بل تنتهك "بأسر" قراره الذي قد يبدو في الظاهر انه يتعلق بقضايا الأمن لوحدها، وفي واقع الحال انها تتمثل في تجريد العراقيين من أي حق سواء تعلق الأمر بالحكومة او البرلمان أو الأحزاب ناهيكم عن الشعب المبتلى، المغلوب على أمره..
يا قادة البلاد، المتناوبين على انتهاك حرمة ناخبيكم،.. عليكم بالأولويات السياسية التي تطرحها أوضاع البلاد المتدهورة المجردة من أي سيادة،.. والتي تعيش محنة فراغ الدولة المدنية،.. وهي أولويات تتجسد في استعادة ثقة المواطنين بهذا العراق الذي يُراد له أن يكون جديدا...، والذي لن يتحقق مادمتم متقوقعين في مرافئ طوائفكم، يراكم المواطنون فيها وانتم تتدافعون في المناكب لتحقيق أقصى المكاسب ولو على حساب حرمتهم،.. قبل حرمات الوطن المنتهكة!