TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > القاب الفخامة المتشظية في العراق الديمقراطي!

القاب الفخامة المتشظية في العراق الديمقراطي!

نشر في: 10 أكتوبر, 2007: 08:27 م

فخري كريم

احيت جهات غير معلومة، في غفلة من الدولة التي أٌطيح بها، تقاليد بروتوكولية والقاباً، غابت عن وعي العراقيين وممارساتهم منذ نصف قرن،

بعد ان اطاحت ثورة 14 تموز 1958 بالملكية وبروتوكولاتها، وبضمنها القاب الفخامة والسعادة والمعالي بالاضافة الى الباشوية، التي تندر بها الناس، كلما عنّ لهم السخرية من شخصية عامة.

والالقاب بحد ذاتها، لا ضرر منها ولا قيمة لها، لا ترفع قامة ولا تقصر غيرها. فالزائر الى مصر، اياً كان مقامه السياسي والاجتماعي، او درجته الوظيفية، "يشبع" من لقب الباشا اينما توجه، كبادرة احترام، وربما كسخرية مبطنة يُنفّس من خلالها المُهمّشون، غيظهم، مما هم فيه من شظف العيش وعسر الحياة، وما يرفل فيه باشوات عصر العولمة من التخمة.

كما يندر ان لا يلقب حامل حقيبة دبلوماسية، او مستخدم عدسات طبية، بسبب قصر نظره، بغير "لقب دكتور"، حتى وان كان في واقع الحال رجل اعمال أو تاجراً شبه متعلم أو حتى عتّالاً "افنديا" لا يقرأ ولا يكتب، يرافق اميراً او مسؤولاً حكومياً رفيعاًً!

لكن الالقاب في الحالات الاخرى، تعكس ثقافة طبقية مراتبية، وترمز الى السلطة والامتيازات والمكانة الاجتماعية.

ان الغفلة التي اقحمت فيها القاب الفخامة والسعادة والمعالي على رجالات دولة العراق الجديد، الديمقراطي، ظلت حتى الان شكلية، يفترض فيها أن تزول مع انتهاء التكليف الرسمي، لكنها لن تظل كذلك، اذا ما استقرت في الوعي العام، مثل مظاهر اخرى تستدرجنا يومياً بدواعي، التصدي للارهاب، والعنف، وتكريس سلطة الدولة، والقانون، الى اعتماد، ما يشكل في الجوهر ادوات ووسائل للقمع، تتعارض مع الاسس الضامنة لدولة القانون وحقوق الانسان والحريات، مثل استخدام العنف المفرط، او التوقيف الكيفي، او استحداث اجهزة امنية ومخابراتية متعددة الهياكل والاهداف...

والغريب ان قادة العراق الجديد، خلافاً لتقاليدهم الحزبية والسياسية،... ولثقافة العراقيين الديمقراطية، سرعان ما تكيّفوا مع هذه الالقاب، واستطابوها، رغم ان دولة، بيروقراطية البروتوكول، مثل لبنان الغتها بمرسوم، وان اكبر دولة عربية من حيث نسبة السكان والتأثير السياسي كمصر، لم تَعٌد الى تداولها بعد ان الغتها ثورة يوليو 1952.

فهل لهذا الاستخدام "المفرط" للالقاب "الملكية" في وعي قادة دولتنا الديمقراطية، دواعٍ غير شكلية؟

ليس في واقع الحال، ما يلغي الهواجس والشكوك، ويبعث على الاطمئنان.

فاذا تجاوزنا مرحلة ادارة "القيصر" بول بريمر الانتقالية، وما شهدته من تجاوزات على المال والشأن العام، او من العطايا والرشاوى والمقاولات بـ "الباطن"... فان من بين مآثر حكومة الدكتور اياد علاوي ومعاونيه، اصدار قرارات ومراسيم لها قوة القانون، تكرس امتيازات نفعية لمن يغادر المسؤولية، تثقِل اعباء الدولة، لا مثيل لها، كما هو معروف في الاقل، في اي نظام او دولة، اذا استثنينا، الملكيات والامارات والانظمة الشمولية.

وهذه الامتيازات لا تقتصر على الرواتب التقاعدية المجزية، التي تصل الى 80% من الراتب، حتى وان خدم المسؤول بضعة اسابيع، ولربما بضعة ايام!، بل ابقاء العقارات والسيارات المصفحة وعشرات المرافقين، وغير ذلك مما لا علم لنا به تحت تصرفهم وهم خارج المسؤولية. "ومن بين هؤلاء المسؤولين المنتهية ولايتهم" من يمتلك اكثر من "فيلا" ومكتب ومنشآت، وبيوت سكرتارية وموظفين.

ان نظرة سريعة الى احوال عدد من المسؤولين السابقين والحاليين، تكفي لمعرفة "تغيٌر احوالهم" الملفت. فكل واحد منهم تقريباً اصبح بين ليلة وضحاها، مالك جريدة واذاعة وفضائية. ومنهم من يتنقل بالطائرات الخاصة التي يشحذها من هذا البلد او ذاك، مستنكفاً التنقل بين البلدان بركوب الطائرات مع مواطنيه. ومن غير المجدي البحث عن ممتلكات بعض هؤلاء في بلدان اخرى، او في منافي اللجوء التي كانت دوائر الهجرة او الخدمات الانسانية تتصدق عليهم بمنح اللاجئين الشهرية.

ولو بقي الامر على الامتيازات المالية لكان هيناً، فهؤلاء القادة الذين احتفى بهم الشعب، كبٌناة عراق ديمقراطي جديد يرفل بالعدالة الاجتماعية والمساواة والرحمة، يتحولون مع تطور الاوضاع الى طبقة مهيمنة، تحاول عبر وسائلها، وهي كثيرة، تطويع قوانين الدولة لحماية امتيازاتها ومواقعها المتنفذة، وما تنويه او تخطط له.

والاخطر من ذلك، ان انعزال هؤلاء القادة حتى عن جمهورهم ومريديهم، وهم يقدمون مثلاً بسلوكهم هذا للجيل الجديد من الساسة، ومن بينهم من اعيد تأهيله وتسويقه من بقايا النظام السابق، يضعف الاحساس العام، والثقة بامكانية ارساء اسس وطيدة لديمقراطية تكفل الحقوق والحريات، وتبعد اي احتمال لاعادة تشكيل نظام استبدادي بواجهة جديدة.

ان المرحلة الصعبة المعقدة التي تجتازها البلاد، تقتضي ضمان حياة القادة والمسؤولين بمختلف مراتبهم، و لا ضير في تأمين ذلك،... ولكن الا يرى نواب الشعب، المشرِّعون، ان "الافراط" في الامتيازات والحصانات، مثل "الافراط" في العنف، يضعف الثقة، ويبدد الآمال؟

بقي ان نقترح على نوابنا الاشاوس، اصدار "قرار رئاسي"، يعتبر الالقاب "المفرطة في المهابة" بلا مسوغ قانوني.

ولعل في لقب السيادة ما يكفي ويزيد، في دولة هي نفسها في طور التكوين، ناقصة السيادة!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram