TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: الإنسان وعدمه في العراق

قناطر: الإنسان وعدمه في العراق

نشر في: 9 يوليو, 2019: 09:06 م

 طالب عبد العزيز

كنت في عقود سابقة قد تعرضت كثيراً لمضايقات البعثيين ورجال الأمن، بسبب انتمائي لحزب آخر، مضايقات شبه يومية، في البيت،

وفي الحرب بعد سوقي لخدمة الاحتياط، وقبل ذلك في الدائرة، حيث كنت، وكان من السهل على بعضهم قتلي، فالأسباب متاحة كثيرة، وأنا متاح مطلق لهم أيضاً، لكنني كنت أتفادى موتي بالهرب مرة وبالصمت والمراوغة مرة أخرى، ولا أخفي أمراً، فقد قبلت بحلولهم وانحنيت لهم في أكثر من مرة. ما الذي يفعله واحد مثلي أمام ثلاث أو أربع مؤسسات أمنية، ويسكن قرية نائية أقصى الجنوب، ولا يملك طاقية إخفاء ولا تعويذة ضد الشر؟

كان شعاري في المرحلة تلك: أنَّ رأسي أثمن من رؤوسهم جميعاً. وأنني ادّخر حياتي لأيام جميلة قادمة، وأنني مفيد في مكان وزمن ما. كنت أعتقد بأن أكثر من بلبل على سعفة، هناك ينتظرني، أحبّه مغرداً ويحّبني مصغياً. بقيت بذاك الذّل، وما أصبرني عليه، حتى أنَّ أحد أبناء عمّي، وكان صغيراً آنذاك، جاءني ذات مرة، ليقول لي: بأن( فلان الفلاني) وهو بعثيٌّ ورجل أمن، يطلبني لأمر ما، كنت عائداً من دائرة الأمن قبل يومين، حزيناً، ومحبطاً. كان فلان الفلاني هذا، من أسوأ خلق الله، وأحطّهم شأناً، وهو بتعبير العامة(ما يسوه فلسين) ولأنني أعرف ما يضمره لي، فقد قلت له ليدخل، ومثل من لا يملك حولاً ولا قوةً، أمضيت له على ورقتين: استمارة الانتماء الى الصف الوطني وقرار 200 المشؤوم.

قد تصحُّ علي هنا تسمية مثل خضوع ومهانة ومذلة، نعم، هي كذلك. لكنني، لن أسميها جبناً، ولن أخوض مع أحد في حديث البطولة، لقد مضى زمن البطولات الفردية، التي غيرت مجرى التاريخ، إذ، لم تُسقط مشنقة فهد حكومة نوري السعيد، ولم يسقط إعدام محمد الصدر دولة صدام حسين، وفي التاريخ حوادث وشواهد كثيرة، لن أسوقها لأجل أحباط عزيمة أحد من الشباب، لكنْ ما أريده هو إنني، ومعي الملايين من ابناء الشعب، وبعد سنوات من الحكم الفاسد، والديمقراطية الكاذبة، وتراجع الحياة في مفاصلها كلها، ما عدنا قادرين على فعل شيء، فالذين يمسكون بالسلطة يمتلكون آليات البقاء والاستمرار كلها.

أنا محتجٌّ، نعم، ومثل عامة أبناء الشعب على الاداء الحكومي السيئ، ومعنا المرجعية الدينية، والشرفاء من الوطنيين، والنخب المثقفة ومئات الخطباء وأئمة المساجد، وقد جابت الشوارع التظاهرات العارمة، تطالب بإسقاط الحكومة، وبتغيير المسار الخاطئ، لكن شيئاً لم يحدث. لذا، أجد أنه من الحمق إعتماد الآلية القديمة في التصدي للأنظمة هذه. لم تسقط نظام صدام حسين حناجر الملايين التي كانت تدعو عليه في الجهر والسر، وعادت خائبة أصوات النساء الثكالى، ولم تسقطه هتافات الملايين في الخارج، ولم توقف الحرب مع إيران جثث مئات الآلاف من الشهداء والضحايا، فلا إرادة إلهية في الأمر. رجال الأحزاب الحاكمة يملكون البنادق والأسباب كلها، ولن تنفعني يافطة ما، أيّ يافطة، إن شهر أحدُهم مسدسه في وجهي. الانسان العراقي مخذول في العالم الوسخ هذا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. السماوي

    كلامك واقعي ويمكن تجربتك مر بها كثير من الوطنيين الشرفاء خلاص العراق انتهى ورحمة الله على ملك فيصل الأول أسس الدولة العراقية وهو حجازي وليس عراقي والعراقيين مزقوا الدولة هذه هي المفارقة

  2. أم رشا

    إيجاد طرق أخرى للخلاص من النظام الحالي غير المقاومة المسلحة هو بحد ذاته حمايه للنظام لأنه لن يتغير بسواها وما أخذ بالغدر و القتل والتزوير والسرقه والقوة لا يسترد إلا بالقوة

  3. الحجيه البصراويه

    نطلقها صرخة مدويه بوجه العالم. كيف الخلاص؟؟ وهذه الجراثيم تنخر في الجسد العراقي.

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram