TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > جعفر السعدي ذاكرة… وبورتريت

جعفر السعدي ذاكرة… وبورتريت

نشر في: 2 مايو, 2010: 05:42 م

عدنان منشد شغل الفنان  الراحل جعفر السعدي مكانة اصيلة ومرموقة في اذهان العراقيين طوال الاعوام الخمسين المنصرمة، وهي بحق مكانة جديرة بفنه الروحي السامي في المسرح والسينما والدراما التلفزيونية، استحقها بشخصيته المميزة وبثرائه الروحي وبأبوته النبيلة لأجيال عديدة من المسرحيين في العراق.
لقد رسم جعفر السعدي صورة فنان يحتاج الوطن الى الايمان به والتماهي معه، هي صورة قيم الانسان الذي يبني عالما جديدا في الارض العراقية، وصورة الرائد الطليعي في أي درس اكاديمي، او في اية منصة مسرحية او بلاتوه من بلاتوهات السينما والتلفزيون في هذا الوطن. لم أكن يوما تلميذا لهذا الاستاذ الكبير في قسم المسرح بكلية الفنون الجميلة، اذ لم يحصل لي هذا الشرف، لأسباب خاصة في ادارة القسم المذكور في توزيع جداول الاساتذة، ولكنني استطيع ان اقول، وبثقة عالية، انه الاستاذ الوطني الغيور على شعبه ووطنه منذ العهد الملكي وحتى سقوط الديكتاتور صدام في ربيع نيسان عام 2003، حيث لم ترده العقبات عن هدفه، ولم تعجزه الصعوبات عن تحقيق حلمه الجمالي والاكاديمي انه (الاب). كما اعتاد تلامذته المسرحيون ان يسموه، يقف في الذاكرة الشعبية على سامق لا ينازعه عليه احد. من المفاخر المعروفة لجعفر السعدي، انه من المؤسسين للفرقة الشعبية التمثيلية في العراق عام 1947 بمعية فنانين رواد، حتى استقامت هذه الفرقة باسمه في اواخر الستينيات تحت عنوان (فرقة المسرح الشعبي). وحينما عاد د. عوني كرومي من المانيا في منتصف السبعينيات، اصبح للفرقة المذكورة مسرح تجريبي مهم سمي بمسرح الـ(60) كرسيا وكنا فيه ككلمة الله الدائمة الابدية التي لا تخضع ابدا لمعايير الزمان والمكان، خصوصا ان فرقتنا (فرقة مسرح اليوم) بقيادة الفنان الراحل جعفر علي ــ رديف السعدي ومنافسه ــ في ذات الطابق من عمارة (اخوان) في شاعر السعدون. وكانت خلاصة الفرقتين تعبر عن مكونات المسرح العراقي الفكرية والجمالية والدلالية بخطاب يساري معلن ومعروف لمن عاصر تلك الفترة. قدم جعفر السعدي حال عودته من الولايات المتحدة الامريكية في منتصف الستينيات المنصرمة مسرحية (يوليوس قيصر) لشكسبير، وهي على العموم تمرين مسرحي مقطر لتخصصه في فن الاخراج المسرحي، حيث عمل على التجريب في صياغة انشائية العرض داخل مسرح معهد الفنون الجميلة في (الكسرة) اذ جعل هذه الانشائية بشكل حرف (T) او ما يسمى بشكل الصليب المهيمن على ساحة العرض المسرحي، حيث المنصة في الامام، والممثلون يدخلون من خارج صالة العرض، بينما يتوزع الجمهور على جانبين من ممر الصالة، ضمن زاوية نظر حساسة بين المنصة المسرحية والممر المذكور، وكأن لسان حال جعفر السعدي يقول للجمهور في هذه المأساة الشكسبيرية:… فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والضلالة!!. ومن الشواغل الاخراجية لهذا الاستاذ مسرحية (عرس الدم) للشاعر الاسباني لوركا، التي قدمها بشكل طرازي صارم، خاضع للبحث والتحليل والشك والرفض والانكار، لان هذا هو ما يخص العرض ويغنيه ويعود عليه بالنفع العميم. ثم قدم مسرحية (شيخ المنافقين) او (طارطوف) لمولير، بطراز الكوميديا الفرنسية في فن التمثيل (البيكارس) وما الى ذلك من الازياء وتأثيث المنصة المسرحية والمفارقات المضحكة التي طالما اخصبت العقول والاذهان في الماضي القريب والبعيد، ثم اعاد عرض هذه المسرحية في منتصف السبعينيات بعد تعريقها تحت عنوان (ابوالويو) على معرض بغداد الدولي، فكان العرض عبارة عن تشويش وفضفاضيات لنص مولير الشهير، قليل المضمون، خال من الرسم، على الرغم من مشاركة اسماء كبيرة فيه، امثال: وجدي العاني، فوزي مهدي، وداد سالم، اديب القله يجي، وغيرهم الكثير. وقبل هذه الشواغل الاخراجية، حري بنا ان نذكر شخصية الاستاذ جعفر السعدي في اطار الصورة الرسمية والثقافة الشعبية معا… ومنها صورة العاشق الولهان في فلم (القاهرة بغداد) مع ابراهيم جلال وعفيفة اسكندر ونخبة من الممثلين المصريين في اواخر النصف الاول من القرن العشرين. او صورة المغلوب على امره في الفيلم العراقي الشهير (ارحموني) مع المطرب رضا علي والفنان بدري حسون فريد، او شخصية العم الكبير للفنانين يوسف العاني وسامي عبدالحميد في مسرحية (الحلم)، التي اعدها واخرجها الفنان قاسم محمد عن رواية (من يحب الفقر) للروائي السوري عبدالعزيز هلال. واخيرا شخصية السعدي الاثيرة، ذات الطابع الفضولي المقيت في الثلاثية التلفزيونية للكاتب عادل كاظم (النسر وعيون المدينة) بشخصية (عبدالله افندي) صاحب اللازمة الشهيرة: (عجيب امور.. غريب قضية!).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram