كان المعمار يؤدي ما يؤديه المهندس اليوم من اعمال تتعلق بتوزيع اجزاء البيت في خارطة مرسومة في ذهنه فتراه وهو يشير بيده امام اصحاب الارض قائلا: هنا السلم وهنا السرداب وهنا المطبخ وهنا وهناك..
وكان هو المسؤول عن استخدام العدد اللازم للعمل من عمال البناء وهم الخلفة والمربعجي والكاصوص والمرار والمناوشجي والجبان والداكوك الذي كان يحمل بيده خشبة غليظة يدق بها على الجص ثم يغربله ليعده للاستعمال اذ كان الجص يباع في سكاليل النكاكيب على هيئة خليط من التراب المخلوط بالحصو والجص حصو يحرق بالنار فكان الداكوك يتولى امر دقه وكأنه يطحنه بهذا الدق المتواصل ثم يغربله ويعاود الدق عليه ويعود الى غربلته حتى اذا يئس من الحصول على شيء من الجص منه تركه... ولكن بيوت كثير من الاسر الفقيرة لم يكن الجص يعنيها الا عند بناء (التيغ) اذ كانت تبنى بيوت هذه الاسر بالطين والحجارة من اصل الاساس حتى السطوح وكانت الجدران في مثل هذا البناء سميكة بما يقرب من متر احيانا وذلك حماية لها من يثقبها اللصوص ليلا، وكذلك لكون ذلك يساعد على جعل طقس البيت باردا في الصيف حارا في الشتاء. اما البيوت التي تعود لذوي القدرة المالية فكانت مادتها في البدء رماد الحمامات والنورة. .يتخذ من ذلك ما يسمى بالصاروج ولم يكن لهم عهد باستعمال الرمل في البناء. وخطط الرماد المتحصل من كرخان الحمام بالنورة يتطلب عملا فنيا ذا مراحل. ووجدنا من المعمارين من عمد الى استعمال الرمل العادي في عملية الصاروج دون الرماد الذي لم يعد له وجود بسبب انعدام الحمامات التي كانت تتخذ وقودها من الارواث الحيوانية. اما السمنت فلم يعرف الا اوائل هذا القرن، وقد استعملوا الكونكريت به وذاك بتكسير الاجر العادي وخلطه بالسمنت والرمل. من عبقرية البنائين في تلك الحقبة انهم استطاعوا استغلال الحجارة الصغيرة التي لايزيد حجمها على حجم الجوزة العادية فبنوا بها الجدران العالية التي كان يبدو منظرها في غاية الجمال والتناسق وكانت من القوة بمكان....كانت المرادي الغليظة هي التي تتم بها عملية تسقيف السقوف.. وذاك باستخدام حصران القصب اذ يضعون اطراف الخشب على الجدران ثم يصفون عليها الحصران القصبية ثم يضعون اقلام القصب الناعم ثم الحصران ثانية ثم الطين العادي ثم التراب ثم يرشقون السطوح بالطين الاحمر المخلوط بالتبن.. وفي الصيف اذ كانت الناس تنام على السطوح كانت نساء البيت يرششن السطح بالماء بعد العصر فتتبخر الحرارة في وقت قريب لايطول... وكان للنجار وجود اساسي في بناء البيوت سواء اكانت بيوت اغنياء ام كانت بيوت فقراء فالابواب والشبابيك والمحجرات كلها من صنعه... ودور الحداد انما يكون في وضع الشياش في المحجرات وفي شبابيك السراديب ونوافذ المطابخ والمسامير الغليظة في بعض الابواب الكبيرة والمفاتيح التي كانت توضع في الحزم... ويكون لها صوت مرتفع عند الفتح والاغلاق... وكذلك صنع السراكي والصنارات..كانت بيوت الشخصيات في البلد تلحق بطولة أي اسطبل لان القوم كانوا يمتطون الخيول او الحمير الحساوية ولابد من ان يكون لهذه اماكن وسياس وكان بعض كبار الشيوخ من العلماء يمتلكون الخيل او الحمير والبغال لغرض التنقل عليها. وكانت البيوت الكبيرة واعني بها بيوت الاغنياء تتميز بان فيها سراديب ينتفع بالاقامة فيها ايام الصيف ابتغاء القيلولة اذ تكون باردة بنسبة عالية عن خارجها... اما الانتفاع من السراديب في الشتاء فأنها كانت توضع فيها خناب الطرشي والدهن وكثير من المواد الغذائية اذ كانوا يسدون البادكيرات والنوافذ الاخرى التي يعتمد السرداب عليها في اجتلاء البرودة اليه... وفي كل بيت مطبخ فيه موقد او اكثر من موقد تستعمل فيه الاحطاب واحسن هذه الاحطاب الطرفة والبرماجة التي كانت تباع محمولة على ظهور باعتها في الطرقات.. كما كانت هناك سكاليل في اماكن شتى من بغداد لبيع الاحطاب وكان محتطب القوم من الصيرة (الصويرة) وغيرها.. وبعض تلك السكاليل كانت في محطة الحاج فتحي التي تقابل العوينة وفي محلة السور عند باب المعظم وفي مكان جسر الاحرار وسكاليل الكرخ معروفة ايضا...وفي معظم البيوت تنصب التنانير واحدها تنور لخبز الخبز وربما اتخذت التنانير على السطوح وهي تصلح كذلك للشئ والطبخ ويستعمل فيها للوقود الحطب والجلة أي المطال والشوك والعاكول... وكان لباب الدار مدق من حديد او برنج على هيئات متنوعة تتلاءم ومركز البيت في المحلة.. ولحواف السطوح والسقوف زينات من الخشب يقال لها الصجغات واحدها صجغ. وللبيوت الكبيرة مجازات واحدها مجاز وهو يدخل البيت ويكون على هيئة غرفة طويلة وعلى جانبي هذا المدخل دكتان مرتفعتان تتخذان للجلوس وهما من ضمن الجدار ومن فوائد هذا المجاز عزل من في داخل البيت عن الطريق فلا تقع عيون المارة على شيء فيه.. وله فائدة اخرى هي تلطيف الهواء الاتي من الطريق فلا يصل الى ساحة البيت الا وهو ملطف بسبب مروره بالمجاز.. وكان المجاز في البيوت الشعبية يصلح للقيلولة بعد ان يرش بالماء...وفي معظم البيوت كانت تتخذ الابار ليستقي منها الماء وبعض البيوت كانت ابارها تعرف بحلاوة مائ
بغداد بين الماضي والحاضر ..البيت البغدادي القديم
نشر في: 2 مايو, 2010: 05:50 م