صادق الجميليباحث فلكلوري استأثر اهتمام المعنيين بشؤون الملل والنحل في الايام الاخيرة اثر الاحداث والصراعات الطائفية بين السيخ والهندوس في شبه القارة الهندية والتي كان على اثرها حرق المعبد الذهبي الخاص بطائفة السيخ في منطقة البنجاب، والتي يقدر تعدادها بستة ملايين في الهند وباكستان معا..
ولابد من ان نلقي بعض الضوء على طائفة السيخ وروابطها التاريخية مع المسلمين والعرب بالذات.. عرف المتتبعون لشؤون هذه الطائفة انها من النحل الباطنية ذات المظهر الاسلامي على غرار نحلة القاديانية والبهائية، لبست هذه الطائفة لبوس الاسلام حتى عدها بعض باحثي الغرب فرقة اسلامية، وحتى قيل ان مؤسسها "بابا نانك" 1469 -1539 كان مسلما وحاول ان يأتي بالديانة السيخية حلا وسطا بين الاسلام والهندوسية... وكما ورد في دائرة المعارف البستانية: "...انه كان يعتقد بوجود الله وينكر الوحي وامر بعبادة الله عبادة مطلقة لا تتقيد بالطقوس.. وجعل دينه مزيجاً من دين الاسلام والدين البوذي، اساسه التوحيد الخالص لله والاخاء بين البشر.. وبعد موته خلفه ابنه "غورو انفاد" ومن ثم ابنه "امرداس" الذي جمع تعاليم السيخ في كتاب دعاه باسم (ادي غرنته" ومعناه الكتاب الاول....". وكانت تعاليم السيخ هذه على الاغلب مغايرة لتعاليم الاسلام والمعتقدات الاخرى في الهند لانها جاءت مزيجا من معتقدات مختلفة صبت في قالب جديد لتضيف الى النحل المتصارعة نحلة اخرى اشد عنفا وتطرفا لذلك كان الصراع مستمرا والصدام محتدما على مر التاريخ والى يومنا هذا.. وفي مرحلة تجوال "بابا نانك" في بلاد العرب كان قد زار خلالها مكة وبغداد واقام في بغداد ردحا من الزمن واتخذ من ربط الصوفية واضرحة الاولياء مقاما له يجمع الانصار ويجتمع بهم، واتخذ من قبر الصوفي الزاهد، بهلول دانا" بقرب ضريح الجنيد البغدادي في مقبرة "الشونيزي" قديما مأوى له، وبعد رحيله عن بغداد كان هذا المكان مقدسا عند اتباعه السيخ الى يومنا هذا.. وبزيارة لهذه المقبرة "مقبرة الجنيد البغدادي" في منطقة الشالجية وقبالة مطار المثنى القديم وتفحص ما في بناية المقام من الداخل نجد لوحاً من المرمر ثبتت عليه كتابة بارزة ..انها عبارة عن اربعة اشطر موزونة مقفاة وباللغة التركية وبخط الثلث العربي.. تتفق الاشطر الاول والثاني والرابع في قافية موحدة هي الدال.. في حين ان الشطر الثالث سائب.. وبترجمتها الى العربية تعطي العبارة التالية:"ههنا حقق الامنية الرب المجيد للشيخ الولي بابا نانك ، اذ ما ان تم البنيان الجديد في سنة المصيبة التي جاء فيها لائذا.. حتى صار في هذا المكان المتواضع النزيل السعيد".. (927 هـ /1520م).كما نجد لوحا اخر من معدن البرونز على جدار الطارمة الغربية سجلت عليه اسماء الذين تبرعوا لتجديد المقام من منتسبي الجيش البريطاني في بغداد عام 1942 خلال فترة الحرب العالمية الثانية من طائفة السيخ باللغة الانكليزية والمبالغ المتبرع بها، وبجانبه لوح من المرمر يؤرخ تجديد المقام وقد كتب عليه باللغة العربية (هنا مقام بابا نانك عليه الرحمة جدد من قبل السيد شريف حسين الرضوي الباكستاني عام 1957). وعلى احد الجدران لوح من المرمر بطول المتر وعرض نصف المتر وقد كتب عليه تاريخ بثلاث لغات، في الاعلى باللغة السنسكريتية (الهندية القديمة) وفي الوسط باللغة العربية وفي الجهة السفلى بالغة الانكليزية.. وهذا نص القسم العربي من الكتابة (الى بغداد قصد بابا (نانك) مسافرا وعند ابوابها اتخذ لنفسه مسكنا (مقتبسة مما كتب بهائي كوروداس) 1551-1639، وصادف وصول بابا نانك، الى هنا عام 927 هجرية 1520 ميلادي، وعند قبر الشيخ بهلول دانا قابل اتباعه وتباحث معهم ثم وضع هذا النصب التذكاري بمناسبة الذكرى الخمسمئة لعيد ميلاد كورونانك يوم 23/11/1969 والمصادف لـ 14-رمضان- 1389 هجرية). وفي حجرة المقام كتب مقدسة لدى السيخ باللغة السنسكريتية ذات تجليد واغلفة من النوع الجيد الثمين وبجانبها صور مؤطرة رائعة تمثل "بابا نانك" وبالالوان الزاهية وتصاوير اخرى تمثل ضريحه الذي هو اليوم محج لطوائف السيخ في البنجاب...ومن الكتب المودعة في المقام كتاب السيخ المقدس "الغرانته" ويقع في مجلد واحد من قطع الربع وباللغة السنسكريتية وتبلغ صفحاته حوالي (1200) صفحة. ويستخدم السيخ بعض فصوله في صلواتهم ومناجاتهم ويرددونه في اذكارهم ومجالسهم فيما بينهم وبين انفسهم في الصباح والمساء وعند النوم كما يتعبدون في تلاوتها..واخيرا لي وقفة قصيرة متأملة على موضوع الدكتور صفاء خلوصي الذي نشر على صفحات جريدة الجمهورية البغدادية العدد 171 بتاريخ 1 تموز 1968 والذي حاول فيه ان يربط طائفة السيخ باكثر من رباط تاريخي مع العالم الاسلامي والعربي من خلال زيارات بابا نانك لبلدانه داعيا لدينه الجديد... وقع الدكتور في وهم مبين حين اكد انه مسلم وزار بغداد عند عودته من حج بيت الله الحرام.. وقال: (انني قد توصلت الى حقيقة قد تجعل ارض العراق ارضا مقدسة بالنسبة لطائفة السيخ، حيث زعم السيخ ان "بابا نانك ، توفي في العراق، وفي بغداد بالذات
"بابانانك"... مؤسس طائفة السيخ ومحج السيخ في بغداد
نشر في: 2 مايو, 2010: 05:52 م